صفحة جزء
باب حد الأمة والعبد قال الله تعالى : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب قال أبو بكر : قرئ فإذا أحصن " بفتح الألف ، وقرئ بضم الألف " ؛ فروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة أن : أحصن بالضم معناه تزوجن .

وعن عمر وابن مسعود والشعبي وإبراهيم : " أحصن " بالفتح ، قالوا : معناه أسلمن ؛ وقال الحسن : " يحصنها الزوج ويحصنها الإسلام " . واختلف السلف في حد الأمة متى يجب ، فقال من تأول قوله فإذا أحصن بالضم على التزويج : إن الأمة لا يجب عليها الحد وإن أسلمت ما لم تتزوج " وهو مذهب ابن عباس والقائلين بقوله . ومن تأول قوله : " فإذا أحصن " بالفتح على [ ص: 124 ] الإسلام ، جعل عليها الحد إذا أسلمت وزنت وإن لم تتزوج ، وهو قول ابن مسعود والقائلين بقوله .

وقال بعضهم : تأويل من تأوله على أسلمن بعيد ؛ لأن ذكر الإيمان قد تقدم لهن بقوله : من فتياتكم المؤمنات قال : فيبعد أن يقال : " من فتياتكم المؤمنات فإذا آمن " . وليس هذا كما ظن لأن قوله : من فتياتكم المؤمنات إنما هو في شأن النكاح ، وقد استأنف ذكر حكم آخر غيره وهو الحد ، فجاز استئناف ذكر الإسلام ، فيكون تقديره : " فإذا كن مسلمات فأتين بفاحشة فعليهن " هذا لا يدفعه أحد ؛ ولو كان ذلك غير سائغ لما تأوله عمر وابن مسعود والجماعة الذين ذكرنا قولهم عليه .

وليس يمتنع أن يكون الأمران جميعا من الإسلام والنكاح مرادين باللفظ ، لاحتماله لهما وتأويل السلف الآية عليهما . وليس الإسلام والتزويج شرطا في إيجاب الحد عليها حتى إذا لم تحصن لم يجب ، لما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، قال : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير ، والضفير الحبل . وفي حديث سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في كل مرة : فليقم عليها كتاب الله تعالى فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوجوب الحد عليها مع عدم الإحصان .

فإن قيل : فما فائدة شرط الله الإحصان في قوله : فإذا أحصن وهي محدودة في حال الإحصان وعدمه ؟ قيل له : لما كانت الحرة لا يجب عليها الرجم إلا أن تكون مسلمة متزوجة ، أخبر الله تعالى أنهن وإن أحصن بالإسلام وبالتزويج فليس عليهن أكثر من نصف حد الحرة ، ولولا ذلك لكان يجوز أن يتوهم افتراق حالها في حكم وجود الإحصان وعدمه ، فإذا كانت محصنة يكون عليها الرجم وإذا كانت غير محصنة فنصف الحد ، فأزال الله تعالى توهم من يظن ذلك وأخبر أنه ليس عليها إلا نصف الحد في جميع الأحوال ؛ فهذه فائدة شرط الإحصان عند ذكر حدها .

ولما أوجب عليها نصف حد الحرة مع الإحصان علمنا أنه أراد الجلد ؛ إذ الرجم لا ينتصف ؛ وقوله تعالى : فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب أراد به الإحصان من جهة الحرية لا الإحصان الموجب للرجم ؛ لأنه لو أراد ذلك لم يصح أن يقال عليها نصف الرجم لأنه لا يتبعض .

وخص الله الأمة بإيجاب نصف حد الحرة عليها إذا زنت ، [ ص: 125 ] وعقلت الأمة من ذلك أن العبد بمثابتها ؛ إذ كان المعنى الموجب لنقصان الحد معقولا من الظاهر وهو الرق وهو موجود في العبد . وكذلك قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات خص المحصنات بالذكر وعقلت الأمة حكم المحصنين أيضا في هذه الآية إذا قذفوا ، إذ كان المعنى في المحصنة العفة والحرية والإسلام ، فحكموا للرجل بحكم النساء بالمعنى . وهذا يدل على أن الأحكام إذا علقت بمعان فحيثما وجدت فالحكم ثابت حتى تقوم الدلالة على الاقتصار على بعض المواضع دون بعض .

التالي السابق


الخدمات العلمية