وقت المغرب أول
وقت المغرب من حين تغرب الشمس لا اختلاف بين الفقهاء في ذلك ، وقال الله عز وجل :
أقم الصلاة لدلوك الشمس وهو يقع على الغروب لما بيناه فيما سلف وقال تعالى :
وزلفا من الليل وهو ما قرب منه من النهار ، وهو أول أوقاته والله أعلم .
وقال تعالى :
فسبحان الله حين تمسون قيل فيه إنه وقت المغرب . وفي أخبار المواقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر وأبي سعيد وغيرهم :
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليومين جميعا حين غابت الشمس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=119سلمة بن الأكوع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650528كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توارت بالحجاب .
وقد ذهب شواذ من الناس إلى أن أول وقت المغرب حين يطلع النجم ، واحتجوا بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=11954أبو تميم الجيشاني عن
أبي بصرة الغفاري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658380صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فقال : إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها ، فمن حافظ عليها منكم أوتي أجره مرتين ، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد ؛ والشاهد النجم . وهذا حديث شاذ لا تعارض به الأخبار المتواترة
nindex.php?page=hadith&LINKID=63470عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول وقت المغرب أنه حين تغيب الشمس
؛ وقد روى ذلك أيضا عن جماعة من الصحابة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعبد الله nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة . ويحتمل أن يكون خبر
أبي بصرة في ذكر طلوع الشاهد غير مخالف لهذه الأخبار وذلك ؛ لأن النجم قد يرى في بعض الأوقات بعد غروب الشمس قبل اختلاط الظلام ، فلما كان الغالب في ذلك أنه لا يكاد يخلو من أن يرى بعض النجوم بعد غروب الشمس جعل ذلك عبارة عن غيبوبة الشمس .
وأيضا فلو كان الاعتبار برؤية النجم لوجب أن تصلى قبل الغروب إذا رئي النجم ؛ لأن بعض النجوم قد يرى في بعض الأوقات قبل الغروب ، ولا خلاف أنه غير جائز فعلها قبل
[ ص: 258 ] الغروب مع رؤية الشاهد ، فسقط بذلك اعتبار طلوع الشاهد .
وأما آخر وقت المغرب فإن أهل العلم مختلفون فيه ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح : " لوقت المغرب أول وآخر كسائر الصلوات " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : " ليس للمغرب إلا وقت واحد " . ثم اختلف من قال بأن له أولا وآخرا في آخر وقتها ، فقال أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح : " آخر وقتها أن يغيب الشفق " . ثم اختلفوا في الشفق ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : " الشفق البياض " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن صالح nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : " الشفق الحمرة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : " وقت المغرب والعشاء إلى طلوع الفجر " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وقد اختلف
السلف أيضا في الشفق ما هو ، فقال بعضهم : " هو البياض " وقال بعضهم : " الحمرة " . فممن قال إنه الحمرة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=63وعبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=75وشداد بن أوس .
حدثنا
أبو يعقوب يوسف بن شعيب المؤذن قال : حدثنا
أبو عمران موسى بن القاسم العصار والحسين بن الفرج البزاز قالا : حدثنا
هشام بن عبيد الله قال : حدثنا
هياج عمن ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " الشفق الحمرة " .
قال
هشام : وحدثنا
أبو سفيان عن
العمري عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " الشفق الحمرة " . قال
هشام : وحدثنا
أبو سفيان عن
العمري عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " كان
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت nindex.php?page=showalam&ids=75وشداد بن أوس يصليان العشاء إذا غابت الحمرة ويريانها الشفق " . فهؤلاء الذين روي عنهم الحمرة .
وممن روي عنه أن الشفق البياض
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز ؛ حدثنا
يوسف بن شعيب قال : حدثنا
موسى بن القاسم والحسين بن الفرج قالا : حدثنا
هشام بن عبيد الله قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال : حدثنا
عنبسة بن سعيد الكلاعي قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كتب : " إن أول وقت العشاء مغيب الشفق " ، ومغيبه إذا اجتمع البياض من الأفق فينقطع ، فذلك أول وقتها .
قال
هشام : حدثنا
أبو عثمان عن
خالد بن يزيد عن
إسماعيل بن عبيد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=16345عبد الرحمن بن غنم عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال : " الشفق البياض " . قال
هشام : وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن عمن ذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول : " الشفق البياض " .
فصل وأما الدلالة على أن لوقت المغرب أولا وآخرا وأنه غير مقدر بفعل الصلاة فحسب ، قوله تعالى :
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقد ذكرنا من
[ ص: 259 ] قال من
السلف إنه الغروب واحتمال اللفظ له ، فاقتضت الآية أن يكون
لوقت المغرب أول وآخر ؛ لأن قوله تعالى :
إلى غسق الليل غاية ؛ وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن غسق الليل اجتماع الظلمة ، فثبت بدلالة الآية أن وقت المغرب من حين الغروب إلى اجتماع الظلمة ، وفي ذلك ما يقضي ببطلان قول من جعل لها وقتا واحدا مقدرا بفعل الصلاة .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
أبي صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687720أول وقت المغرب حين تسقط الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=672257أن سائلا سأله عن مواقيت الصلاة ، فذكر الحديث وقال فيه : وصلى المغرب في اليوم الأول حين وقعت الشمس وآخرها في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق ، ثم قال : الوقت فيما بين هذين .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16589علقمة بن مرثد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16035سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=666761أن رجلا سأله عن وقت الصلاة فقال : صل معنا فأقام المغرب حين غابت الشمس ، ثم صلى المغرب في اليوم الثاني قبل أن يغيب الشفق ؛ وكذلك في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر . فثبت بذلك أن لوقت المغرب أولا وآخرا .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17102معاذ بن المثنى قال : حدثنا
محمد بن كثير قال : حدثنا
همام عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
أبي أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=41668وقت المغرب ما لم يغب الشفق .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=72408سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بأطول الطول وهي المص . وهذا يدل على امتداد الوقت ، ولو كان الوقت مقدرا بفعل ثلاث ركعات لكان من قرأ : " المص " قد أخرها عن وقتها .
فإن قيل : روي في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأبي سعيد : أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب في اليومين جميعا في وقت واحد بعد غروب الشمس . قيل له : هذا لا يعارض ما ذكرنا ؛ لأنه جائز أن يكون فعله كذلك ليبين الوقت المستحب ؛ وفي الأخبار التي رويناها بيان أول الوقت وآخره ، وإخبار منه بأن ما بين هذين وقت ، فهو أولى ؛ لأن فيه استعمال الخبرين ، ومع ذلك فإن فعله لها في اليومين في وقت واحد لو انفرد عما يعارضه من الأخبار التي ذكرنا لم تكن فيه دلالة على أن لا وقت لها غيره ، كما لم يدل فعله للعصر في اليومين قبل اصفرار الشمس على أنه لا وقت لها غيره ، وكفعله للعشاء الآخرة في اليومين قبل نصف الليل لم يدل على أن ما بعد نصف الليل ليس بوقت لها .
ومن جهة النظر أن سائر الصلوات المفروضات لما كان لأوقاتها أول وآخر ولم تكن أوقاتها
[ ص: 260 ] مقدرة بفعل الصلاة وجب أن يكون المغرب كذلك ؛ فقول من جعل الوقت مقدرا بفعل الصلاة خارج عن الأصول مخالف للأثر والنظر جميعا . ومما يلزم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في هذا أنه يجيز الجمع بين المغرب والعشاء في وقت واحد إما لمرض أو سفر كما يجيزه بين الظهر والعصر ، فلو كان بينهما وقت ليس منهما لما جاز الجمع بينهما ، كما
لا يجوز الجمع بين الفجر والظهر إذا كان بينهما وقت ليس منهما .
فإن قيل : ليس علة الجمع تجاور الوقتين ؛ لأنه لا يجمع المغرب إلى العصر مع تجاور الوقتين .
قيل له : لم نلزمه أن يجعل تجاور الوقتين علة للجمع ، وإنما ألزمناه المنع من الجمع إذا لم يكن الوقتان متجاورين ؛ لأن كل
صلاتين بينهما وقت ليس منهما لا يجوز الجمع بينهما والله أعلم بالصواب .
ذكر القول في الشفق والاحتجاج له . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : لما اختلف الناس في الشفق ، فقال منهم قائلون : " هو الحمرة " وقال آخرون : " البياض " . علمنا أن الاسم يتناولهما ويقع عليهما في اللغة لولا ذلك لما تأولوه عليهما ؛ إذ كانوا عالمين بمعاني الأسماء اللغوية والشرعية ألا ترى أنهم لما اختلفوا في معنى القرء فتأوله بعضهم على الحيض وبعضهم على الطهر ثبت بذلك أن الاسم يقع عليهما ؟ وإنما نحتاج بعد ذلك إلى أن نستدل على المراد منهما بالآية .
وحدثنا
أبو عمر غلام
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب قال : سئل
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب عن الشفق ما هو ؟ فقال : البياض ؛ فقال له السائل : الشواهد على الحمرة أكثر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب : إنما يحتاج إلى الشاهد ما خفي فأما البياض فهو أشهر في اللغة من أن يحتاج إلى الشاهد .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ويقال إن أصل الشفق الرقة ، ومنه يقال ثوب شفق ، ومنه الشفقة وهي رقة القلب . وإذا كان أصله كذلك فالبياض أخص به ؛ لأنه عبارة عن الأجزاء الرقيقة الباقية من ضياء الشمس ، وهو في البياض أرق منه في الحمرة ؛ ويشهد لمن قال بالحمرة قول
أبي النجم :
حتى إذا الشمس اجتلاها المجتلي بين سماطي شفق مهول
فهي على الأفق كعين الأحول
ومعلوم أنه أراد الحمرة ؛ لأنه وصفها عند الغروب . ومما يحتج به للبياض قوله تعالى :
فلا أقسم بالشفق قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : " هو النهار " .
ويدل عليه قوله :
والليل وما وسق فأقسم
[ ص: 261 ] بالليل والنهار ، فهذا يوجب أن يكون الشفق البياض ؛ لأن أول النهار هو طلوع بياض الفجر ، وهذا يدل على أن الباقي من البياض بعد غروب الشمس هو الشفق ومما يستدل به على أن المراد البياض قوله تعالى :
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقد بينا أن الدلوك اسم يقع على الغروب ، ثم جعل غسق الليل غايته . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في غسق الليل : " أنه اجتماع الظلمة " وذلك لا يكون إلا مع غيبوبة البياض لأن البياض ما دام باقيا فالظلمة متفرقة في الأفق فثبت بذلك أن وقت المغرب إلى غيبوبة البياض ، فثبت أن المراد البياض .
فإن قيل : روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة أن غسق الليل هو غروب الشمس . قيل له : المشهور عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن دلوك الشمس هو غروبها ، ومحال إذا كان الدلوك عنده الغروب أن يكون غسق الليل غروب الشمس أيضا ؛ لأن الله تعالى قال :
أقم الصلاة لدلوك الشمس فجعل الدلوك أول الوقت وغسق الليل آخره ، ويستحيل أن يكون ما جعله ابتداء هو الذي جعله غاية وإذا كان ذلك كذلك فالراوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن غسق الليل هو غروب الشمس غالط في روايته ، ومع ذلك فقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رواية مشهورة أن دلوك الشمس غروبها وأن غسق الليل حين يغيب الشفق ؛ وهذه الرواية مستقيمة على ما ثبت عنه من تأويل الآية .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " أن دلوك الشمس حين تزول إلى غسق الليل حين تجب الشمس " ، وهذا غير بعيد على ما ثبت عنه في تأويل الدلوك أنه الزوال ؛ إلا أنه قد روى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15855داود بن الحصين قال : أخبرني مخبر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يقول : " غسق الليل اجتماع الليل وظلمته " ، وهذا ينفي أن يكون غسق الليل وقت الغروب ، من قبل أن وقت الغروب لا يكون ظلمة مجتمعة .
وقد روي عن
أبي جعفر في غسق الليل أنه انتصافه ، وعن
إبراهيم : غسق الليل العشاء الآخرة . وأولى هذه المعاني بلفظ الآية اجتماع الظلمة وذهاب البياض وذلك ؛ لأنه لو كان غسق الليل هو غروب الشمس لكانت الغاية المذكورة للوقت هي وجود الليل فحسب ، فيصير تقدير الآية : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى الليل ؛ وتسقط معه فائدة ذكر الغسق مع الليل .
ولما وجب حمل كل لفظ منه على فائدة مجددة وجب أن يكون غسق الليل قد أفاد ما لم يفدناه لو قال : إلى الليل ؛ فتكون الفائدة فيه اجتماع الظلمة دون وجود الليل عاريا من اجتماعها .
ومما يستدل به على أن الشفق هو البياض حديث
بشير بن أبي مسعود عن أبيه : أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=99186النبي صلى الله عليه وسلم صلى العشاء اليوم الأول حين اسود الأفق [ ص: 262 ] وربما أخرها حتى يجتمع الناس ، فأخبر عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل أوقاتها ، وأخبر عنها في أواخرها ، وذكر في أول وقت العشاء الآخرة اسوداد الأفق ؛ ومعلوم أن بقاء البياض يمنع إطلاق الاسم عليه بذلك .
فثبت أن أول وقت العشاء الآخرة غيبوبة البياض . ومن يأبى هذا القول يقول : إن قوله : " حين اسود الأفق " لا ينفي بقاء البياض ؛ لأنه إنما أخبر عن اسوداد أفق من الآفاق لا عن جميعها ، ولو أراد غيبوبة البياض لقال : حين اسودت الآفاق ؛ وليس يمتنع أن يبقى البياض وتكون سائر الآفاق غير موضع البياض مسودة .
ويحتج القائلون بالبياض أيضا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=99186كان يصلي العشاء الآخرة حين يستوي الأفق ، وربما أخرها حتى يجتمع الناس ؛ وهذا اللفظ يحتمل من المعنى ما احتمله قوله في الحديث الأول " حين اسود الأفق " .
ومما يحتج به القائلون بالحمرة ما روى
ثور بن يزيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=666761سأل رجل نبي الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال : صل معي . فصلى في اليوم الأول العشاء الآخرة قبل غيبوبة الشفق . قالوا : ومعلوم أنه لم يصلها قبل غيبوبة الحمرة ، فوجب أن يكون أراد البياض ؛ ولا تكون رواية من روى أنه صلاها بعدما غاب الشفق معارضة لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر هذا ، من قبل أن معناه : بعدما غاب الشفق الذي هو الحمرة ؛ إذ كان الاسم يقع عليهما جميعا ليتفق الحديثان ولا يتضادا ، ومن يجعل الشفق البياض يجعل خبر
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر منسوخا على نحو ما روي في خبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في المواقيت أنه صلى الظهر في اليوم الثاني وقت العصر بالأمس .
ومما يحتج به القائلون بالحمرة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=666761أول وقت المغرب إذا غربت الشمس وآخره غيبوبة الشفق . وفي بعض أخبار
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر : " إذا غابت الشمس فهو وقت المغرب إلى أن يغيب الشفق " وفي لفظ آخر : " وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق " قالوا : فالواجب حمله على أولهما وهو الحمرة ؛ ومن يقول بالبياض يجيب عن هذا بأن ظاهر ذلك يقتضي غيبوبة جميعه وهو بالبياض ، فيدل ذلك على اعتبار البياض دون الحمرة ؛ لأنه غير جائز أن يقال قد غاب الشفق إلا بعد غيبوبة جميعه ، كما لا يقال غابت الشمس إلا بعد غيبوبة جميعها دون بعضها .
ولمن قال بالحمرة أن يقول : إن البياض والحمرة ليسا شفقا واحدا بل هما شفقان فيتناول الاسم أولهما غيبوبة ؛ كما أن
[ ص: 263 ] الفجر الأول والثاني هما فجران وليسا فجرا واحدا ، فيتناولهما إطلاق الاسم معا كذلك الشفق . ومما يحتج به للقائلين بالبياض ، حديث
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=666786كان يصلي العشاء لسقوط القمر الليلة الثالثة ، وظاهر ذلك يقتضي غيبوبة البياض . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وهذا لا يعتمد عليه ؛ لأن ذلك يختلف في الصيف والشتاء ولا يمتنع بقاء البياض بعد سقوط القمر في الليلة الثالثة ، وجائز أن يكون قد غاب قبل سقوطه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وحكى
ابن قتيبة عن
الخليل بن أحمد قال : راعيت البياض فرأيته لا يغيب ألبتة وإنما يستدير حتى يرجع إلى مطلع الفجر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وهذا غلط ؛ والمحنة بيننا وبينهم ؛ وقد راعيته في البوادي في ليالي الصيف والجو نقي والسماء مصحية فإذا هو يغيب قبل أن يمضي من الليل ربعه بالتقريب ، ومن أراد أن يعرف ذلك فليجرب حتى يتبين له غلط هذا القول .
ومما يستدل به على أن المراد بالشفق البياض ، أنا وجدنا قبل طلوع الشمس حمرة وبياضا قبلها وكانا جميعا من وقت صلاة واحدة ؛ إذ كانا جميعا من ضياء الشمس دون ظهور جرمها ؛ كذلك يجب أن تكون الحمرة والبياض جميعا بعد غروبها من وقت صلاة واحدة ، للعلة التي ذكرناها .