باب استتابة المرتد قال الله تعالى :
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : " يعني به أهل الكتابين من
اليهود والنصارى ؛ آمن
اليهود بالتوراة ، ثم كفروا بمخالفتها وكذلك آمنوا
بموسى عليه السلام ثم كفروا بمخالفته ، وآمن
النصارى بالإنجيل ، ثم كفروا بمخالفته وكذلك آمنوا
بعيسى عليه السلام ثم كفروا بمخالفته ، ثم ازدادوا كفرا بمخالفة الفرقان
ومحمد صلى الله عليه وسلم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : " هي في المنافقين : آمنوا ثم ارتدوا ، ثم آمنوا ثم ارتدوا ، ثم ماتوا على كفرهم " .
وقال آخرون هم طائفة من
أهل الكتاب قصدت تشكيك أهل الإسلام ، وكانوا يظهرون الإيمان به والكفر به ، وقد بين الله أمرهم في قوله :
وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : هذا يدل على أن المرتد الذي تاب تقبل توبته وأن توبة الزنديق مقبولة ؛ إذ لم تفرق بين الزنديق وغيره من الكفار وقبول توبته بعد الكفر مرة بعد
[ ص: 274 ] أخرى والحكم بإيمانه متى أظهر الإيمان . واختلف الفقهاء في
استتابة المرتد والزنديق ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر : " في الأصل لا يقتل المرتد حتى يستتاب ، ومن قتل مرتدا قبل أن يستتاب فلا ضمان عليه " .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=15536بشر بن الوليد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في الزنديق الذي يظهر الإسلام قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : " أستتيبه كالمرتد ، فإن أسلم خليت سبيله وإن أبى قتلته " ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف كذلك زمانا ، فلما رأى ما يصنع
الزنادقة ويعودون قال : " أرى إذا أتيت بزنديق آمر بضرب عنقه ولا أستتيبه ، فإن تاب قبل أن أقتله خليته " . وذكر
سليمان بن شعيب عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف قال : " إذا زعم الزنديق أنه قد تاب حبسته] حتى أعلم توبته " .
وذكر
محمد في السير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : " أن المرتد يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا قتل مكانه ، إلا أن يطلب أن يؤجل فإن طلب ذلك أجل ثلاثة أيام " ولم يحك خلافا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي : وحدثنا
سليمان بن شعيب عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في نوادر ذكرها عنه أدخلها في أماليه عليهم قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : " اقتل الزنديق سرا فإن توبته لا تعرف " ، ولم يحك
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف خلافه . وقال
أبو القاسم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : " المرتد يعرض عليه الإسلام ثلاثا فإن أسلم وإلا قتل ، وإن ارتد سرا قتل ولم يستتب كما يقتل
الزنادقة ، وإنما يستتاب من أظهر دينه الذي ارتد إليه " قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : " يقتل
الزنادقة ولا يستتابون ،
والقدرية يستتابون " فقيل
nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك : فكيف يستتاب
القدرية ؟ قال : " يقال لهم اتركوا ما أنتم عليه فإن فعلوا وإلا قتلوا وإن أقر
القدرية بالعلم لم يقتلوا " .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=708427من غير دينه فاضربوا عنقه ؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : هذا فيمن ترك الإسلام ولم يقر به ، لا فيمن خرج من اليهودية إلى النصرانية ولا من النصرانية إلى اليهودية ؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : وإذا رجع المرتد إلى الإسلام فلا ضرب عليه ، وحسن أن يترك المرتد ثلاثة أيام ويعجبني . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح : " يستتاب المرتد وإن تاب مائة مرة " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : " الناس لا يستتيبون من ولد في الإسلام إذا شهد عليه بالردة ، ولكنه يقتل تاب من ذلك أو لم يتب إذا قامت البينة العادلة " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : " يستتاب المرتد ظاهرا والزنديق ، وإن لم يتب قتل " .
وفي الاستتابة ثلاثا قولان :
أحدهما : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، والآخر أنه لا يؤخر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر فيه بأناة ؛ وهذا ظاهر الخبر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : روى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان عن
جابر عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال : " يستتاب المرتد ثلاثا " ثم قرأ :
إن الذين آمنوا ثم كفروا الآية ؛ وروي
[ ص: 275 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنه أمر باستتابته ثلاثا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670252من بدل دينه فاقتلوه ولم يذكر فيه استتابته ؛ إلا أنه يجوز أن يكون محمولا على أنه قد استحق القتل ، وذلك لا يمنع دعاءه إلى الإسلام والتوبة لقوله تعالى :
ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة الآية ، وقال تعالى :
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني فأمر بالدعاء إلى دين الله تعالى ولم يفرق بين المرتد وبين غيره ، فظاهره
يقتضي دعاء المرتد إلى الإسلام كدعاء سائر الكفار ، ودعاؤه إلى الإسلام هو الاستتابة ؛ وقال تعالى :
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وقد تضمن ذلك الدعاء إلى الإيمان ؛ ويحتج بذلك أيضا في استتابة الزنديق لاقتضاء عموم اللفظ له ، وكذلك قوله :
إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا لم يفرق فيه بين الزنديق وغيره ، فظاهره يقتضي قبول إسلامه .
فإن قيل : قوله تعالى :
قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف لا دلالة فيه على زوال القتل عنه ؛ لأنا نقول هو مغفور له ذنوبه ويجب مع ذلك قتله كما يقتل الزاني المحصن وإن كان تائبا ويقتل قاتل النفس مع التوبة .
قيل له : قوله تعالى :
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف يقتضي غفران ذنوبه وقبول توبته ؛ لأن توبته لو لم تكن مقبولة لما كانت ذنوبه مغفورة ، وفي ذلك دليل على
صحة استتابته وقبولها منه في أحكام الدنيا والآخرة .
وأيضا فإن قتل الكافر إنما هو مستحق بإقامته على الكفر ، فإذا انتقل عنه إلى الإيمان فقد زال المعنى الذي من أجله وجب قتله وعاد إلى حظر دمه ألا ترى أن المرتد ظاهرا متى أظهر الإسلام حقن دمه ؟ كذلك الزنديق .
وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في المرتد الذي لحق
بمكة وكتب إلى قومه : سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة ؟ فأنزل الله :
كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله تعالى :
إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فكتبوا بها إليه ، فرجع فأسلم ؛ فحكم له بالتوبة بما ظهر من قوله ، فوجب استعمال ذلك والحكم له بما يظهر منه دون ما في قلبه .
وقوله من قال : إني لا أعرف توبته إذا كفر سرا ، فإنا لا نؤاخذ باعتبار حقيقة اعتقاده ؛ لأن ذلك لا نصل إليه ، وقد
حظر الله علينا الحكم بالظن بقوله تعالى :
اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687880إياكم والظن فإنه أكذب الحديث ، وقال تعالى :
ولا تقف ما ليس لك به علم وقال :
إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن ومعلوم أنه لم يرد حقيقة العلم بضمائرهن
[ ص: 276 ] واعتقادهن ، وإنما أراد ما ظهر من إيمانهن بالقول وجعل ذلك علما ، فدل على أنه
لا اعتبار بالضمير في أحكام الدنيا وإنما الاعتبار بما يظهر من القول ، وقال تعالى :
ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا وذلك عموم في جميع الكفار ؛
nindex.php?page=hadith&LINKID=75866وقال النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=111لأسامة بن زيد حين قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله ، فقال : إنما قالها متعوذا ، قال : هلا شققت عن قلبه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن
أبي إسحاق عن
حارثة بن مضرب ، أنه أتى
عبد الله فقال : ما بيني وبين أحد من العرب إحنة ، وإني مررت بمسجد
بني حنيفة فإذا هم يؤمنون
بمسيلمة ؛ فأرسل إليهم
عبد الله ، فجاء بهم واستتابهم ، غير
ابن النواحة قال له : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=913958لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول ، أين ما كنت تظهر من الإسلام ؟ قال : كنت أتقيكم به ؛ فأمر به
قرظة بن كعب فضرب عنقه بالسوق ، ثم قال : من أراد أن ينظر إلى
ابن النواحة قتيلا بالسوق .
فهذا مما يحتج به من لم يقبل توبة الزنديق ، وذلك لأنه استتاب القوم وقد كانوا مظهرين لكفرهم ، وأما
ابن النواحة فلم يستتبه ؛ لأنه أقر أنه كان مسرا للكفر مظهرا للإيمان على وجه التقية ؛ وقد كان قتله إياه بحضرة الصحابة ؛ لأن في الحديث أنه شاور الصحابة فيهم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله قال : أخذ
بالكوفة رجال يؤمنون
بمسيلمة الكذاب ، فكتب فيهم إلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : " اعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن قالها وتبرأ من دين
مسيلمة فلا تقتلوه ، ومن لزم دين
مسيلمة فاقتله " فقبلها رجال منهم ولزم دين
مسيلمة رجال فقتلوا .