صفحة جزء
قوله تعالى : فاستبقوا الخيرات معناه الأمر بالمبادرة بالخيرات التي تعبدنا بها قبل الفوات بالموت وهذا يدل على أن تقديم الواجبات أفضل من تأخيرها ، نحو قضاء رمضان والحج والزكاة وسائر الواجبات لأنها من الخيرات .

فإن قيل : فهو يدل على أن فعل الصلاة في أول الوقت أفضل من تأخيرها ؛ لأنها من الواجبات في أول الوقت . قيل له : ليست من الواجبات في أول الوقت ، والآية مقتضية للوجوب ، فهي فيما قد وجب وألزم ؛ وفي ذلك دليل على أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار لأنه من الخيرات ، وقد أمر الله بالمبادرة بالخيرات .

وقوله تعالى في هذا الموضع : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ليس بتكرار لما تقدم من مثله لأنهما نزلا في شيئين مختلفين :

أحدهما : في شأن الرجم ، والآخر : في التسوية بين الديات حين تحاكموا إليه في الأمرين . قوله تعالى : واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك قال ابن عباس : " أراد أنهم يفتنونه بإضلالهم إياه عما أنزل الله إلى ما يهوون من الأحكام ، إطماعا منهم له في الدخول في الإسلام " . وقال غيره : " إضلالهم بالكذب على التوراة بما ليس فيها فقد بين الله تعالى حكمه " . قوله تعالى : فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم ذكر البعض والمراد الجميع ، كما يذكر لفظ العموم والمراد الخصوص ، وكما قال : يا أيها النبي والمراد جميع المسلمين بقوله : إذا طلقتم النساء وفيه أن المراد الإخبار [ ص: 99 ] عن تغليظ العقاب في أن بعض ما يستحقونه به يهلكهم . وقيل : " أراد تعجيل البعض بتمردهم وعتوهم " . وقال الحسن : " أراد ما عجله من إجلاء بني النضير وقتل بني قريظة " . قوله تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون فيه وجهان :

أحدهما : أنه خطاب لليهود لأنهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إياه ، وإذا وجب على أغنيائهم لم يأخذوهم به ؛ فقيل لهم : أفحكم عبدة الأوثان تبغون وأنتم أهل الكتاب وقيل : إنه أريد به كل من خرج عن حكم الله إلى حكم الجاهلية ، وهو ما يقدم عليه فاعله بجهالة من غير علم . قوله تعالى : ومن أحسن من الله حكما إخبار عن حكمه بالعدل والحق من غير محاباة ؛ وجائز أن يقال إن حكما أحسن من حكم كما لو خير بين حكمين نصا وعرف أن أحدهما أفضل من الآخر كان الأفضل أحسن . وكذلك قد يحكم المجتهد بما غيره أولى منه ، لتقصير منه في النظر أو لتقليده من قصر فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية