وقوله تعالى :
وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره خطاب لمن كان معاينا
للكعبة ولمن كان غائبا عنها ، والمراد لمن كان حاضرها إصابة عينها ولمن كان غائبا عنها النحو الذي هو عنده أنه نحو
الكعبة وجهتها في غالب ظنه ؛ لأنه معلوم أنه لم يكلف إصابة العين ؛ إذ لا سبيل له إليها ، وقال تعالى :
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فمن لم يجد سبيلا إلى إصابة عين
الكعبة لم يكلفها .
فعلمنا أنه إنما هو مكلف ما هو في غالب ظنه أنه جهتها ونحوها دون المغيب عند الله تعالى وهذا أحد الأصول الدالة على تجويز
الاجتهاد في أحكام الحوادث ، وأن كل واحد من المجتهدين فإنما كلف ما يؤديه إليه اجتهاده ويستولي على ظنه .
ويدل أيضا على أن للمشتبه من الحوادث حقيقة مطلوبة كما أن القبلة حقيقة مطلوبة بالاجتهاد والتحري ، ولذلك صح تكليف الاجتهاد في طلبها كما صح تكليف
طلب القبلة بالاجتهاد ؛ لأن لها حقيقة ، ولو لم يكن هناك قبلة رأسا لما صح تكليفنا طلبها .