وقوله تعالى :
أو دما مسفوحا يدل على أن
المحرم من الدم ما كان مسفوحا وأن ما يبقى في العروق من أجزاء الدم غير محرم ، وكذلك روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وغيرها في الدم الذي في المذبح أو في أعلى القدر أنه ليس بمحرم ؛ لأنه ليس بمسفوح . وهذا يدل على أن دم البق والبراغيث والذباب ليس بنجس ؛ إذ ليس بمسفوح .
فإن قيل : قوله تعالى :
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه وإن كان إخبارا بأنه ليس
المحرم في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم من المأكولات غير المذكور في الآية ، فإنه قد نسخ به كثيرا من
المحظورات على ألسنة الأنبياء المتقدمين ، فلا يكون سبيله سبيل بقاء الشيء على
[ ص: 193 ] حكم الإباحة الأصلية بل يكون في حكم ما قد نص على إباحته شرعا ، فلا يجوز الاعتراض عليه بخبر الواحد ولا بالقياس .
والدليل على أنه قد نسخ بذلك كثيرا من المحظورات على لسان غيره من الأنبياء ، قوله تعالى :
وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما وشحومهما مباحة لنا ، وكذلك كثير من الحيوانات ذوات الأظفار . قيل له : ما ذكرت لا يخرج ما عدا المذكور في الآية من أن يكون في حكم المباح على الأصل ؛ وذلك لأن ما حرم على أولئك من ذلك وأبيح لنا لم يصر شريعة لنبينا صلى الله عليه وسلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن حكم ذلك التحريم ، إنما كان موقتا إلى هذا الوقت وأن مضي الوقت أعاده إلى ما كان عليه من حكم الإباحة ، فلا فرق بينه في هذا الوجه وبين ما لم يحظر قط .
وأيضا فلو سلمنا لك ما ادعيت كان ما ذكرنا من قبول خبر الواحد واستعمال القياس فيما وصفنا سائغا ؛ لأن ذلك مخصوص بالاتفاق ، أعني قوله تعالى :
قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه لاتفاق الجميع من الفقهاء على تحريم أشياء غير مذكورة في الآية كالخمر ولحم القردة والنجاسات وغيرها ، فلما ثبت خصوصه بالاتفاق ساغ قبول خبر الواحد واستعمال القياس فيه .