صفحة جزء
باب سهمان الخيل قال الله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه قال أبو بكر : ظاهره يقتضي المساواة بين الفارس والراجل ، وهو خطاب لجميع الغانمين وقد شملهم هذا الاسم ، ألا ترى أن قوله تعالى : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك قد عقل من ظاهره استحقاقهن للثلثين على المساواة ؟ وكذلك من قال : هذا العبد لهؤلاء أنه لهم بالمساواة ما لم يذكر التفضيل ، كذلك مقتضى قوله تعالى : غنمتم يقتضي أن يكونوا متساوين ؛ لأن قوله : غنمتم عبارة عن ملكهم له .

وقد اختلف في سهم الفارس .

[ ص: 240 ] ذكر الخلاف في ذلك

قال أبو حنيفة : { للفارس سهمان وللراجل سهم } . وقال أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى ومالك والثوري والليث والأوزاعي والشافعي : { للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم } .

وروي مثل قول أبي حنيفة عن المنذر بن أبي حمصة عامل عمر أنه جعل للفارس سهمين وللراجل سهما فرضيه عمر ومثله عن الحسن البصري .

وروى شريك عن أبي إسحاق قال : قدم قثم بن العباس على سعيد بن عثمان بخراسان وقد غنموا ، فقال : اجعل جائزتك أن أضرب لك بألف سهم ، فقال : اضرب لي بسهم ولفرسي بسهم . قال أبو بكر : قد بينا أن ظاهر الآية يقتضي المساواة بين الفارس والراجل ، فلما اتفق الجميع على تفضيل الفارس بسهم فضلناه وخصصنا به للظاهر وبقي حكم اللفظ فيما عداه وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا يعقوب بن غيلان العماني قال : حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي قال : حدثنا عبد الله بن رجاء عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين وللراجل سهما ؛ قال عبد الباقي : لم يجئ به عن الثوري غير محمد بن الصباح . قال أبو بكر : وقد حدثنا عبد الباقي قال : حدثنا بشر بن موسى قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : للفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه .

واختلف حديث عبيد الله بن عمر في ذلك ، وجائز أن يكونا صحيحين بأن يكون أعطاه بديا سهمين وهو المستحق ثم أعطاه في غنيمة أخرى ثلاثة أسهم وكان السهم الزائد على وجه النفل ، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع المستحق ، وجائز أن يتبرع بما ليس بمستحق على وجه النفل كما ذكر ابن عمر في حديث قد قدمنا ذكر سنده أنه كان في سرية قال : فبلغت سهماننا اثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا الحسن بن الكميت الموصلي قال : حدثنا صبيح بن دينار قال : حدثنا عفيف بن سالم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهما وهذا إن ثبت فلا حجة فيه لأبي حنيفة ؛ لأن قسمة يوم بدر لم تكن مستحقة للجيش ؛ لأن الله تعالى جعل الأنفال للرسول صلى الله عليه وسلم وخيره في إعطائه من رأى ، ولو لم يعطهم شيئا لكان جائزا فلم تكن قسمة الغنيمة مستحقة يومئذ وإنما وجبت بعد ذلك بقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء [ ص: 241 ] فأن لله خمسه ونسخ بهذا الأنفال التي جعلها للرسول في جملة الغنيمة وقد روى مجمع بن جارية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم غنائم خيبر فجعل للفارس سهمين وللراجل سهما ، وروى ابن الفضيل عن الحجاج عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهما . وهذا خلاف رواية مجمع بن جارية ، وقد يمكن الجمع بينهما بأن يكون قسم لبعض الفرسان سهمين وهو المستحق وقسم لبعضهم ثلاثة أسهم وكان السهم الزائد على وجه النفل ، كما روى سلمة بن الأكوع : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه في غزوة ذي قرد سهمين سهم الفارس والراجل وكان راجلا يومئذ وكما روي أنه أعطى الزبير يومئذ أربعة أسهم . وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير كان يضرب له في المغنم بأربعة أسهم ، وهذه الزيادة كانت على وجه النفل تحريضا لهم على إيجاف الخيل ، كما كان ينفل سلب القتيل ويقول : من أصاب شيئا فهو له تحريضا على القتال .

فإن قيل : لما اختلفت الأخبار كان خبر الزائد أولى : قيل له : هذا إذا ثبتت الزيادة كانت على وجه الاستحقاق ، فأما إذا احتمل أن تكون على وجه النفل فلم تثبت هذه الزيادة مستحقة . وأيضا فإن في خبرنا إثبات زيادة لسهم الراجل لأنه كلما نقص نصيب الفارس زاد نصيب الراجل ، ويدل على ما ذكرنا من طريق النظر أن الفرس لما كان آلة كان القياس أن لا يسهم له كسائر الآلات ، فتركنا القياس في السهم الواحد والباقي محمول على القياس ؛ وعلى هذا لو حضر الفرس دون الرجل لم يستحق شيئا ولو حضر الرجل دون الفرس استحق ، فلما لم يجاوز بالرجل سهما واحدا كان الفرس به أولى . وأيضا الرجل آكد أمرا في استحقاق السهم من الفرس ، بدلالة أن الرجال وإن كثروا استحقوا سهامهم ، ولو حضرت جماعة أفراس لرجل واحد لم يستحق إلا لفرس واحد ، فلما كان الرجل آكد أمرا من الفرس ولم يستحق أكثر من سهم فالفرس أحرى بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية