فصل إن قال قائل من الملحدين : كيف جاز إقرار الكفار على كفرهم بأداء الجزية بدلا من الإسلام ؟ قيل له : ليس أخذ الجزية منهم رضا بكفرهم ، ولا إباحة لبقائهم على شركهم ، وإنما
الجزية عقوبة لهم لإقامتهم على الكفر ، وتبقيتهم على كفرهم بالجزية كهي لو تركناهم بغير جزية تؤخذ منهم ، إذ ليس في العقل إيجاب قتلهم ؛ لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يبقي الله كافرا طرفة عين ، فإذا بقاهم لعقوبة يعاقبهم بها مع التبقية استدعاء لهم إلى التوبة من كفرهم ، واستمالة لهم إلى الإيمان لم يكن ممتنعا إمهاله إياهم إذ كان في علم الله أن منهم من يؤمن ، ومنهم من يكون من نسله من يؤمن بالله ، فكان في ذلك أعظم المصلحة مع ما للمسلمين فيها من الرفق والمنفعة ؛ فليس إذا في إقرارهم على الكفر ، وترك قتلهم بغير جزية ما يوجب الرضا بكفرهم ، ولا الإباحة لاعتقادهم ، وشركهم ، فكذلك إمهالهم بالجزية جائز في العقل إذ ليس فيه أكثر من تعجيل بعض عقابهم المستحق بكفرهم ، وهو ما يلحقهم من
[ ص: 299 ] الذل والصغار بأدائها .