وقوله تعالى :
خذ من أموالهم صدقة يدل على أن
أخذ الصدقات إلى الإمام ، وأنه متى أداها من وجبت عليه إلى المساكين لم يجزه ؛ لأن حق الإمام قائم في أخذها فلا سبيل له إلى إسقاطه ، وقد
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجه العمال على صدقات المواشي ويأمرهم بأن يأخذوها على المياه في مواضعها ، وهذا معنى ما شرطه النبي صلى الله عليه وسلم لوفد
ثقيف بأن لا يحشروا ولا يعشروا ، يعني لا يكلفون إحضار المواشي إلى المصدق ولكن المصدق يدور عليهم في مياههم ومظان مواشيهم فيأخذها منهم ، وكذلك صدقة الثمار .
وأما زكوات الأموال فقد كانت تحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان فقال : هذا شهر زكواتكم فمن كان عليه دين فليؤده ثم ليزك بقية ماله " فجعل لهم أداءها إلى المساكين ، وسقط من أجل ذلك حق الإمام في أخذها ؛ لأنه عقد عقده إمام من أئمة العدل ، فهو نافذ على الأمة لقوله صلى الله عليه وسلم :
ويعقد عليهم أولهم ، ولم يبلغنا أنه بعث سعاة على زكوات الأموال كما بعثهم
[ ص: 365 ] على صدقات المواشي والثمار في ذلك ؛ لأن سائر الأموال غير ظاهرة للإمام ، وإنما تكون مخبوءة في الدور ، والحوانيت ، والمواضع الحريزة ، ولم يكن جائزا للسعاة دخول أحرازهم ولم يجز أن يكلفوهم إحضارها كما لم يكلفوا إحضار المواشي إلى العامل ، بل كان على العامل حضور موضع المال في مواضعه وأخذ صدقته هناك ، فلذلك لم يبعث على زكوات الأموال السعاة ، فكانوا يحملونها إلى الإمام ، وكان قولهم مقبولا فيها ، ولما ظهرت هذه الأموال عند التصرف بها في البلدان أشبهت المواشي فنصب عليها عمال يأخذون منها ما وجب من الزكاة ، ولذلك كتب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز إلى عماله أن يأخذوا مما يمر به المسلم من التجارات من كل عشرين دينارا نصف دينار ومما يمر به الذمي يؤخذ منه من كل عشرين دينارا دينار ، ثم لا يؤخذ منه شيء إلا بعد حول ، أخبرني بذلك من سمع النبي صلى الله عليه وسلم
وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى عماله أن يأخذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر وما يؤخذ من المسلم من ذلك فهو الزكاة الواجبة تعتبر فيها شرائط وجوبها من حول ونصاب وصحة ملك ، فإن لم تكن الزكاة قد وجبت عليه لم تؤخذ منه ،
فاحتذى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم في صدقات المواشي وعشور الثمار والزروع ، إذ قد صارت أموالا ظاهرة يختلف بها في دار الإسلام كظهور المواشي السائمة والزروع والثمار ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ولا خالفه ، فصار إجماعا مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز الذي ذكرناه . فإن قيل : روى
nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب عن
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله عن جده أبي أمه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=33856ليس على المسلمين عشور إنما العشور على أهل الذمة ، وروى
حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=67869النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد ثقيف : لا تحشروا ولا تعشروا ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل عن
إبراهيم بن المهاجر عن
عمرو بن حريث عن
سعيد بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=100327يا معشر العرب احمدوا الله إذ دفع عنكم العشور .
وروي أن
مسلم بن يسار قال
nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : أكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يعشر المسلمين ؟ قال : لا قيل له : ليس المراد بذكر هذه العشور الزكاة ، وإنما هو ما كان يأخذه أهل الجاهلية من المكس ، وهو الذي أريد في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب عن
عبد الرحمن بن شماسة عن
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر قال : قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=674471لا يدخل الجنة صاحب مكس يعني عاشرا ، وإياه عنى الشاعر بقوله :
[ ص: 366 ] وفي كل أموال العراق إتاوة وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم
فالذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم من العشر هو المكس الذي كان يأخذه أهل الجاهلية
فأما الزكاة فليست بمكس ، وإنما هو حق وجب في ماله يأخذه الإمام فيضعه في أهله كما يأخذ صدقات المواشي وعشور الأرضين ، والخراج . وأيضا يجوز أن يكون الذي نفى أخذه من المسلمين ما يكون مأخوذا على وجه الصغار ، والجزية ؛ ولذلك قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=33856إنما العشور على أهل الذمة يعني ما يؤخذ على وجه الجزية ومن الناس من يحتج للفرق بين صدقات المواشي والزروع ، وبين زكوات الأموال أنه قال في الزكاة :
وآتوا الزكاة ولم يشرط فيها أخذ الإمام لها ، وقال في الصدقات :
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وقال :
إنما الصدقات للفقراء والمساكين إلى قوله :
والعاملين عليها ونصب العامل عليها يدل على أنه غير جائز له إسقاط حق الإمام في أخذها .
وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651401أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم ، فإنما شرط أخذه في الصدقات ولم يذكر مثله في الزكوات ، ومن يقول هذا يذهب إلى أن الزكاة ، وإن كانت صدقة ، فإن اسم الزكاة أخص بها ، والصدقة اسم يختص بالمواشي ونحوها ، فلما خص الزكاة بالأمر بالإيتاء دون أخذ الإمام وأمر في الصدقة بأن يأخذها الإمام وجب أن يكون أداء الزكوات موكولا إلى أرباب الأموال إلا ما يمر به على العاشر ، فإنه يأخذها باتفاق
السلف ويكون أخذ الصدقات إلى الأئمة .