قوله تعالى :
وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه نسخ قوله :
فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وقوله :
انفروا خفافا وثقالا فقال تعالى : ما كان لهم أن ينفروا في السرايا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم
بالمدينة وحده ، ولكن تبقى بقية لتتفقه ثم تنذر النافرة إذا رجعوا إليهم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : " لتتفقه الطائفة النافرة ثم تنذر إذا رجعت إلى قومها المتخلفة " وهذا التأويل أشبه بظاهر الآية ؛ لأنه قال تعالى :
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين فظاهر الكلام يقتضي أن تكون الطائفة النافرة هي التي تتفقه وتنذر قومها إذا رجعت إليهم . وعلى التأويل الأول الفرقة التي نفرت منها الطائفة هي التي تتفقه وتنذر الطائفة إذا رجعت إليها وهو بعيد من وجهين :
أحدهما : أن حكم العطف أن يتعلق بما يليه دون ما يتقدمه ، فوجب على هذا أن يكون قوله :
منهم طائفة ليتفقهوا أن تكون الطائفة هي التي تتفقه وتنذر ، ولا يكون معناه من كل فرقة تتفقه في الدين تنفر منهم طائفة ؛ لأنه يقتضي إزالة ترتيب الكلام عن ظاهره وإثبات التقديم والتأخير فيه .
والوجه الثاني أن قوله :
ليتفقهوا في الدين الطائفة أولى منه بالفرقة النافرة منها الطائفة ؛ وذلك لأن نفر الطائفة للتفقه معنى مفهوم يقع النفر من أجله ، والفرقة التي منها الطائفة ليس تفقهها لأجل خروج الطائفة منها ؛ لأنها إنما تتفقه بمشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم حضرته لا لأن الطائفة نفرت
[ ص: 373 ] منها ، فحمل الكلام على ذلك يبطل فائدة قوله تعالى
ليتفقهوا في الدين فثبت أن التي تتفقه هي الطائفة النافرة من الفرقة المقيمة في بلدها وتنذر قومها إذا رجعت إليها .
وفي هذه الآية دلالة على وجوب
طلب العلم وأنه مع ذلك فرض على الكفاية ، لما تضمنت من الأمر بنفر الطائفة من الفرقة للتفقه ، وأمر الباقين بالقعود لقوله :
وما كان المؤمنون لينفروا كافة وقد روى
زياد بن ميمون عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=907009طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وهذا عندنا ينصرف على معنيين :
أحدهما :
طلب العلم فيما يبتلى به الإنسان من أمور دينه فعليه أن يتعلمه ، مثل من لا يعرف حدود الصلاة وفروضها وحضور وقتها فعليه أن يتعلمها ، ومثل من ملك مائتي درهم فعليه أن يتعلم ما يجب عليه فيها ، وكذلك الصوم ، والحج وسائر الفروض .
والمعنى الآخر : أنه فرض على كل مسلم ، إلا أنه على الكفاية إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين . وفيه دلالة على لزوم خبر الواحد في أمور الديانات التي لا تلزم الكافة ولا تعم الحاجة إليها ؛ وذلك لأن الطائفة لما كانت مأمورة بالإنذار انتظم فحواه الدلالة عليه من وجهين :
أحدهما : أن الإنذار يقتضي فعل المأمور به وإلا لم يكن إنذارا والثاني : أمره إيانا بالحذر عند إنذار الطائفة ؛ لأن قوله تعالى :
لعلهم يحذرون معناه : ليحذروا ، وذلك يتضمن لزوم العمل بخبر الواحد ؛ لأن الطائفة اسم يقع على الواحد . وقد روي في تأويل قوله تعالى :
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أنه أراد واحدا ، وقال تعالى :
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ولا خلاف أن الاثنين إذا اقتتلا كانا مرادين بحكم الآية ولأن الطائفة في اللغة كقولك البعض ، والقطعة من الشيء ، وذلك موجود في الواحد ، فكان قوله :
من كل فرقة منهم طائفة بمنزلته لو قال بعضها ، أو شيء منها ، فدلالة الآية ظاهرة في وجوب قبول الخبر المقصر عن إيجاب العلم ، وإن كان التأويل ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الطائفة النافرة إنما تنفر من
المدينة والتي تتفقه إنما هي القاعدة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فدلالتها أيضا قائمة في لزوم قبول خبر الواحد ؛ لأن النافرة إذا رجعت أنذرتها التي لم تنفر وأخبرته بما نزل من الأحكام وهي تدل أيضا على لزوم قبول خبر الواحد
بالمدينة مع كون النبي صلى الله عليه وسلم بها ، لإيجابها الحذر على السامعين بنذارة القاعدين
قوله تعالى :
يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة خص الأمر بالقتال للذين يلونهم من الكفار، وقال في أول السورة :
[ ص: 374 ] فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال في موضع آخر :
وقاتلوا المشركين كافة فأوجب قتال جميع الكفار ، ولكنه خص بالذكر الذين يلوننا من الكفار ؛ إذ كان معلوما أنه لا يمكننا قتال جميع الكفار في وقت واحد وأن الممكن منه هو قتال طائفة فكان من قرب منهم ، أولى بالقتال ممن بعد ؛ لأن الاشتغال بقتال من بعد منهم مع ترك قتال من قرب لا يؤمن معه هجم من قرب على ذراري المسلمين ونسائهم وبلادهم إذا خلت من المجاهدين ، فلذلك أمر بقتال من قرب قبل قتال من بعد ، وأيضا لا يصح تكليف قتال الأبعد ؛ إذ لا حد للأبعد يبتدأ منه القتال كما للأقرب . وأيضا فغير ممكن الوصول إلى قتال الأبعد إلا بعد قتال من قرب وقهرهم وإذلالهم فهذه الوجوه كلها تقتضي تخصيص الأمر بقتال الأقرب .