باب
الفأرة تموت في السمن قال الله تعالى :
إنما حرم عليكم الميتة وقوله تعالى :
حرمت عليكم الميتة لم يقتض تحريم ما ماتت فيه من المائعات ، وإنما اقتضى تحريم عين الميتة ، وما جاور الميتة فلا يسمى ميتة ، فلم ينتظمه لفظ التحريم . ولكنه محرم الأكل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=670448سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن ، فقال صلى الله عليه وسلم : إن كان جامدا فألقوها وما حولها ، وإن كان مائعا فلا تقربوه وروى
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=655112أن فأرة وقعت في سمن فماتت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألقوها وما حولها ثم كلوه .
وروى
عبد الجبار بن عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله بن عمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=687725أخبره أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سأله رجل عن فأرة وقعت في ودك لهم فقال : أجامد هو ؟ قال : نعم قال : اطرحوها واطرحوا ما حولها وكلوا ودككم قالوا : يا رسول الله إنه مائع قال : فانتفعوا به ولا تأكلوه فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم جواز
الانتفاع به من غير جهة الأكل . وهذا يقتضي جواز
[ ص: 146 ] بيعه ؛ لأنه ضرب من ضروب الانتفاع ، ولم يخص النبي صلى الله عليه وسلم شيئا منه . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري وأبي موسى الأشعري nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن في آخرين من
السلف جواز الانتفاع به من غير جهة الأكل ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى : " بيعوه ولا تطعموه " ولا نعلم أحدا من الفقهاء منع الانتفاع به من جهة الاستصباح ودبغ الجلود ونحوه .
ويجوز بيعه عند أصحابنا أيضا ويبين عيبه ، وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن بيعه لا يجوز ويجوز الاستصباح به .
وقد روي في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إطلاق الانتفاع من غير تخصيص منه لوجه دون وجه ، فدل ذلك على أن المحرم منه الأكل دون غيره ، وأن بيعه جائز كما يجوز
بيع سائر الأشياء التي يجوز الانتفاع بها من نحو الحمار والبغل ، إذ ليس لهذه الأشياء حق في منع البيع ، وهو مما يجوز الانتفاع به وهو غير محرم العين .
فإن قيل : يجوز
الانتفاع بأم الولد والمدبر ولا يجوز بيعهما قيل له : هذا لا يلزم على ما ذكرنا ؛ لأنا قيدنا المعنى بأنه لا حق لما جاز الانتفاع به من ذلك في منع بيعه ، فلم يمنع تحريم أكله جواز بيعه من حيث جاز الانتفاع به من غير جهة الأكل ولا حق له في منع البيع .
وأما المدبر وأم الولد فإنه قد ثبت لهما حق العتاق ، وفي جواز بيعهما إبطال لحقهما ، فلذلك منع بيعهما مع إطلاق سائر وجوه الانتفاع فيهما .
وليس هذا عندهم بمنزلة ودك الميتة ؛ لأنه محرم العين كلحمها ممنوع الانتفاع به من سائر الوجوه ، وليس
ما مات فيه الفأرة من المائعات بمحرم العين وإنما هو محرم الأكل لمجاورته الميتة ، وسائر وجوه المنافع مطلقة فيه سوى الأكل ، فكان بيعه بمنزلة بيع الحمار والبغل والكلب ونحوه مما يجوز الانتفاع به ولا يجوز أكله . وكذلك الرقيق يجوز بيعهم كسائر منافعهم .
وقد دل قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمره بإلقاء الفأرة وما حولها في الجامد منه على معنيين :
أحدهما : أن ما كان نجسا في نفسه فإنه ينجس بالمجاورة لحكمه فيما جاور الفأرة منه بالنجاسة ، وأن ما ينجس بالمجاورة لا ينجس ما جاوره ؛ إذ لم يحكم بنجاسة السمن المجاور للسمن النجس ؛ لأنه لو وجب الحكم بذلك لوجب الحكم بتنجيس سائر سمن الإناء بمجاورة كل جزء منه لغيره . فهذا أصل قد ثبت بالسنة ، وكل ذلك يدل على اختلاف مراتب النجاسة في التغليظ والتخفيف وأنها ليست متساوية المنازل ، فجاز من أجل ذلك أن يعتبر في بعضها أكثر من قدر الدرهم وفي بعضها الكثير الفاحش على حسب قيام دلالة التخفيف والتغليظ ، والله أعلم بالصواب .
[ ص: 147 ]