صفحة جزء
قوله تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الآية فيه الدلالة على إعجاز القرآن ، فمن الناس من يقول : " إعجازه في النظم على حياله وفي المعاني وترتيبها على حياله " ويستدل على ذلك بتحديه في هذه الآية العرب والعجم والجن والإنس ، ومعلوم أن العجم لا يتحدون به من طريق النظم فوجب أن يكون التحدي لهم من جهة المعاني وترتيبها على هذا النظام دون نظم الألفاظ . ومنهم من يأبى أن يكون إعجازه إلا من جهة نظم الألفاظ والبلاغة في العبارة ، فإنه يقول : إن إعجاز القرآن من وجوه كثيرة ، منها حسن النظم وجودة البلاغة في اللفظ والاختصار وجمع المعاني الكثيرة في الألفاظ اليسيرة مع تعريه من أن يكون فيه لفظ مسخوط أو معنى مدخول ولا تناقض ولا اختلاف تضاد ، وجميعه في هذه الوجوه جار على منهاج واحد ، وكلام العباد لا يخلو إذا طال من أن يكون فيه الألفاظ الساقطة والمعاني الفاسدة والتناقض في المعاني . وهذه المعاني التي ذكرنا من عيوب الكلام موجودة في كلام الناس من أهل سائر اللغات لا يختص باللغة العربية دون غيرها ، فجائز أن يكون التحدي واقعا للعجم بمثل هذه المعاني في الإتيان بها عارية مما يعيبها ويهجنها من الوجوه التي ذكرناها ، ومن جهة أن الفصاحة لا تختص بها لغة العرب دون سائر اللغات وإن كانت [ ص: 35 ] لغة العرب أفصحها ، وقد علمنا أن القرآن في أعلى طبقات البلاغة فجائز أن يكون التحدي للعجم واقعا بأن يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة بلغتهم التي يتكلمون بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية