مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
التفسير الفقهي في القرآن الكريم آيات تتضمن الأحكام الفقهية ميزها الفقهاء وفسروها في مصنفات خاصة تعرف بـ (أحكام القرآن). وهذه المصنفات متأخرة بالنسبة لتدوين المذاهب الفقهية المتبعة. وأول كتاب عرف في هذا الشأن هو (أحكام القرآن) للشيخ nindex.php?page=showalam&ids=16609أبي الحسين علي بن حجر السعدي المتوفى سنة 244 هـ. ثم توالت التآليف يعرض من خلالها رأي المذهب في استنباط الأحكام من تلك الآيات، بل ونهج هؤلاء المفسرون وهم من فقهاء المذاهب.. منهج الفقهاء في كتبهم من التعصب المذهبي الذي يلوح من خلال التفسير.. ومن يطالع كتاب (أحكام القرآن) nindex.php?page=showalam&ids=11943للجصاص ... يقف على اختيار الأحناف من آراء السلف.. وكذلك من يطالع (أحكام القرآن) لابن العربي يتعرف على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك ... ومثله هذا الكتاب nindex.php?page=showalam&ids=12440للهراسي حيث قدم ما اختاره فقهاء الشافعية من آراء فقهية مستنبطة من كتاب الله تعالى.
ويعتبر هذا النموذج من كتب التفسير الموضوعي للقرآن الكريم عدة الباحثين والفقهاء حيث يسهل مهمة الوقوف على الأحكام الشرعية وهو ما يعرف بفقه الكتاب.
وقد مهد السلف لهذا المنهج حيث تركوا بين أيدي الخلف وفرة وافرة من حصيلة جهدهم في التفكير وما تفهموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعتبر هذا محورا يرتكز عليه البحث وينطلق منه ولا يمكن إغفاله البتة أو تجاوزه كليا.
المصنفات في هذا العلم:
أشهر المصنفات في هذا الفن يمكن سردها على الوجه التالي:
1- (أحكام القرآن) للإمام المجتهد nindex.php?page=showalam&ids=13790محمد بن إدريس الشافعي المتوفى بمصر سنة 204 هـ. وهو أول من صنف فيه. جمعه من كلامه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي صاحب السنن، وهو مطبوع.
2- (أحكام القرآن) للشيخ nindex.php?page=showalam&ids=16609أبي الحسن علي بن حجر السعدي المتوفى سنة 244 هـ.
3- (أحكام القرآن) للقاضي الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12425أبي إسحق إسماعيل بن إسحق الأزدي البصري المتوفى سنة 282 هـ. أظنه غير موجود.
4- (أحكام القرآن) للشيخ nindex.php?page=showalam&ids=15029أبي الحسن علي بن موسى بن يزداد القمي الحنفي المتوفى سنة 305 هـ، وهو على مذهب أهل العراق.
5- (أحكام القرآن) للشيخ الإمام nindex.php?page=showalam&ids=11943أبي جعفر أحمد بن علي المعروف بالجصاص الرازي الحنفي المتوفى سنة 370 هـ، وهو مطبوع ومتداول.
6- (أحكام القرآن) للشيخ الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12440أبي الحسن علي بن محمد المعروف بـ (الكيا الهراسي) الشافعي البغدادي المتوفى سنة 504 هـ. وهو الذي نقدم له.
7- (أحكام القرآن) للقاضي nindex.php?page=showalam&ids=12815أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف: بابن العربي الحافظ المالكي المتوفى سنة 543 هـ. مطبوع ومتداول .
المؤلف
nindex.php?page=showalam&ids=12440الكيا الهراسي
450- 504 هـ
مؤلف هذا التفسير هو: عماد الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري المعروف بالكيا الهراسي، شيخ الشافعية في بغداد، ولد في ذي القعدة سنة 450.
- أصله من خراسان، فيها ولد ونشأ وتلقى علومه الأولى.
شيوخه: تفقه على nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني مدة حتى برع وهو أجل تلاميذه بعد nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي.
كما حدث عن أبي علي الحسن بن محمد الصفار وغيرهم.
تلاميذه: تفقه عليه السلفي، nindex.php?page=showalam&ids=15973وسعد الخير بن محمد الأنصاري وآخرون.
رحلاته: قدم نيسابور ودرس بها مدة، ثم خرج منها إلى بيهق ودرس بها أيضا، وبعد ذلك قصد العراق حيث تولى التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد إلى أن توفي سنة 504 هـ.
رتبته العلمية: كان من رؤوس معيدي nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين في الدرس ووصف بأنه ثاني nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي بل أملح وأطيب في النظر والصوت، وأبين في العبارة والتقرير منه، وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي أحد وأصوب خاطرا وأسرع بيانا وعبارة منه. وقد اتصل بخدمة محمد الملك بركياروق بن ملكشاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه، وارتفع شأنه، وتولى القضاء بتلك الدولة، وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظراته ومجالسته.
تعصبه: إن تفقه nindex.php?page=showalam&ids=12440الهراسي على nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين قد أثر ذلك في فكره وظهر ذلك جليا من خلال أسلوبهما المشترك. nindex.php?page=showalam&ids=12441فإمام الحرمين عرف بتعصبه للشافعية وحمله على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أبي حنيفة وكذلك فعل nindex.php?page=showalam&ids=12440الهراسي.. وهذا ما يبدو واضحا من مقدمة تفسيره هذا حيث يقول:
(إن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه أسد المذاهب وأقومها، وأرشدها وأحكمها، وإن نظر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أكثر آرائه ومعظم أبحاثه، يترقى عن حد الظن والتخمين إلى درجة الحق واليقين. والسبب في ذلك أنه -يعني nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي- بنى مذهبه على كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأنه أتيح له درك غوامض معانيه، والغوص على تيار بحره لاستخراج ما فيه، وأن الله تعالى فتح له من أبوابه، ويسر عليه من أسبابه، ورفع له من حجابه ما لم يسهل لمن سواه ... ) .
وانطلاقا من هذا المبدإ كان نهجه في تفسيره حيث التزم الدفاع عن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الإمام الشافعي أصولا وفروعا وتخريجا.. وربما أداه ذلك إلى التعسف في التأويل شأن المتعصبين أنى توجهوا.
وإن التعصب المذهبي سلاح ذو حدين.. فقد حمل هؤلاء على خدمة المذهب وفي نفس الوقت خدمة الفقه الإسلامي.. ولكن في بعض الوجوه نرى محاولة لي النص وقسره في حمله على معنى معين تأييدا لتصور ذهني مسبق. وعلى أي حال فالرابح من كل هذا هو الفقه الإسلامي.
وفاته: توفي رحمه الله يوم الخميس وقت العصر مستهل المحرم سنة 504 هـ ببغداد، ودفن بتربة الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11815أبي إسحق الشيرازي وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزيني، وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية، وكان بينه وبينهما في حال الحياة منافسة .
الكتاب
أحكام القرآن
التعريف بالكتاب وطريقة المؤلف:
يعتبر هذا الكتاب من أهم المؤلفات في التفسير الفقهي عند الشافعية، وأول ما وصل إلينا مطبوعا في مذهبهم. مع العلم بأن كتاب (أحكام القرآن) المنسوب nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي إنما هو من جمع nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ولا يستوعب آيات الأحكام بكاملها، بينما هذا الكتاب أحاط بها جميعا، وفق أسلوب الباحثين في هذا الفن.
والمؤلف يعرف بمنهجه قائلا: ولما رأيت الأمر كذلك -يريد رجحان مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على غيره- أردت أن أصنف كتابا في (أحكام القرآن) أشرح ما ابتدعه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه من أخذ الدلائل في غوامض المسائل، وضممت إليه ما نسجته على منواله، واحتذيت فيه على مثاله، على قدر طاقتي وجهدي ومبلغ وسعي وجدي.
من يعرف قدر هذا الكتاب؟
يقول المؤلف: ولا يعرف قدر هذا الكتاب، وما فيه من العجب العجاب، ولب الألباب، إلا من وفر حظه من علوم المعقول والمنقول، وتبحر في الفروع، ثم انكب على مطالعة هذه الفصول، بمسكة صحيحة، وقريحة همة غير قريحة .
هذا وقد عمدت (دار الكتب العلمية) في بيروت لإعادة طباعة هذا الكتاب بأسلوب متميز عن الطبعة الأولى.. حيث عهدت إلى لجنة علمية متخصصة.. فأمعنت النظر في التعليقات الواردة.. فأبقت على ما يخدم النص.. وحذفت ما لا نفع فيه.. خاصة وأن مراجع الكتاب مطبوعة ومتداولة.. فلا داعي لنقل الفصول بطولها وهي متيسرة بين أيدي الباحثين.
راجين المولى سبحانه أن يحسن إلى كل من سعى في خدمة هذا الكتاب والذي يعتبر خدمة مباشرة (للقرآن الكريم) كتاب الله تعالى المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
نفع الله به آمين.
الناشر
التالي