[ ص: 299 ] قوله تعالى:
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا (103) .
وحبل الله في عهده في قول، والقرآن في قول آخر ، وكل ذلك صحيح.
وقوله:
ولا تفرقوا : يجوز أن يراد به التفرق في أصول الدين، مثل قوله تعالى:
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .
ويجوز أن يكون معناه: "ولا تفرقوا" متابعين للهوى والأغراض المختلفة، وكونوا في دين الله إخوانا، فيكون ذلك منعا لهم عن التقاطع والتدابر، ودل عليه ما بعده وهو قوله تعالى:
[ ص: 300 ] واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا (103) .
وليس فيه دليل على تحريم الاختلاف في الفروع، فإن ذلك ليس اختلافا، إذ الاختلاف ما يتعذر معه الائتلاف والجمع، وليس اختلاف حكم الحائض والطاهرة في الصوم والصلاة، واختلاف حكم المقيم والمسافر في الإتمام والقصر، اختلافا من حيث إن الواجب على كل واحد منهم، غير الواجب على الآخر، والاختلاف إذا هو كالاختلاف في الصناعات والحرف وأصغار الأشياء، ومراسم الناس في أنها سبب الانتظام، وإنما منع الله اختلافا هو سبب الفساد، فهذا حكم مسائل الاجتهاد، فإن الاختلاف فيها سبب لاستخراج الغوامض ودقائق معاني الشرع، فاعلمه.
وما زالت الصحابة مختلفين في أحكام الحوادث، وهم مع ذلك متواصلون، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل ذلك:
"اختلاف أمتي رحمة".