قوله تعالى:
مثنى وثلاث ورباع الآية (3) :
[ ص: 317 ] ظن قوم أن الواو تقتضي الجميع، فحل جميع هذا العدد الذي يخرج منه الاثنان والثلاث والأربع إلى تسع.
وقال جمهور العلماء: المراد به إباحة الثنتين إن شاء، والثلاث إن شاء، والأربع إن شاء، وأنه مخير في أن يجمع من هذه الأعداد ما شاء، فتقدير الكلام: تخيروا في هذه الأعداد.
فإن قيل: فلفظ التخيير قد عدم ها هنا، وإنما ذكر لفظ الجمع، ولم يكن كقوله:
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة .
[ ص: 318 ] قيل: ذلك لأن الله تعالى إنما أراد به بيان الأصلح لعباده، بالإضافة إلى أحوالهم، فإن أمكنه أن يعدل في الأربع نكح الأربع، وإلا نكح الثلاث، وإلا نكح المثنى، فإن خاف ألا يعدل فواحدة، فتقديره: ثلاث ورباع في حالة.
وهذا يرد عليه أن في أي وقت قدرتموه، فقد جاز له نكاح الأربع، فلا معنى لتقدير ذلك.
وقد قيل: الواو على حقيقتها ولكنه على وجه البدل، كأنه قال: ثلاث بدلا من مثنى، ورباع بدلا من ثلاث، لا على الجمع بين الأعداد.
ومن قال هذا قال: لو قيل بأو لجاز أن لا يكون الثلاث لصاحب المثنى، ولا الرباع لصاحب الثلاث، فأفاد بذكر الواو إباحة الأربع لكل واحد ممن دخل في الخطاب، وأيضا فإن المثنى دخل في الثلاث، والثلاث دخل في الرباع، إذ لم يثبت أن كل واحد من الأعداد مراد مع الأعداد الأخر على وجه الجمع فيكون تسعة، وهذا كقوله:
قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا إلى قوله:
وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين .
والمعنى في أربعة أيام باليومين المذكورين بدءا، ثم قال:
فقضاهن سبع سماوات في يومين .
[ ص: 319 ] ولو أن ذلك كذلك، لصارت الأيام كلها ثمانية، وقد علم أن ذلك ليس كذلك.
لقوله تعالى:
خلق السماوات والأرض في ستة أيام .
فذلك المثنى داخل في الثلاث. والثلاث في الرباع، فيكون الجميع أربعا، وهذا ما عليه جمهور العلماء.
ثم هذا العدد في الأحرار دون العبيد، فإن سياق الكلام يدل عليه، وهو قوله:
فانكحوا ما طاب لكم ، والعبد لا يملك النكاح بنفسه، لتوقف نكاحه على إذن مولاه، ولأن الأصل
امتناع النكاح في حق العبد، لمنافاة الرق الاستقلال بالملك، غير أن الشرع أباح له لمكان الحاجة، فكان الأصل الاقتصار على الواحد، غير أنه جعل مشطرا، والزيادة عليه تعنت على أصل المنع.