قوله تعالى:
إني جاعلك للناس إماما [ ص: 15 ] الإمام: من يؤتم به في أمر الدين، كالنبي عليه السلام، والخليفة والعالم.
أخبر الله تعالى
إبراهيم أنه جاعله للناس إماما، وسأل
إبراهيم ربه أن يجعل من ذريته أئمة، فقال تعالى:
لا ينال عهدي الظالمين .
ودل قول الله تعالى:
لا ينال عهدي الظالمين على أن الإجابة قد وقعت له في أن من ذريته أئمة، ولكن
لا إمامة لظالم حتى لا يقتدى به، ولا يجب على الناس قبول قوله في أمر الدين.
نعم: كان يجوز أن تظهر المعجزة على يد فاسق ظالم، ويجب قبول قوله لوجود الدليل، وإن لم يجب قبول قول الفاسق، لعدم ظهور الصدق الذي هو دليل قبول قوله، فأما دليل المعجزة فلا يختلف بالظلم وعدمه عقلا، غير أن العصمة وجبت للأنبياء سمعا.
ويجوز عقلا وجوب
قبول قول الفاسق، ولكن دلت هذه الآية على أن عهد الله تعالى لا ينال الظالمين.
فيحتمل أن يكون ذلك النبوة، ويحتمل أن يكون ما أودعهم من أمر دينه، وأجاز قولهم فيه، وأمر الناس بقبوله منهم.
ويطلق العهد على الأمر، قال الله تعالى:
إن الله عهد إلينا ، يعني أمرنا، وقال:
ألم أعهد إليكم يا بني آدم . يعني: ألم أقدم إليكم الأمر به.
[ ص: 16 ] وإذا كان عهد الله هو أوامره، فقوله:
لا ينال عهدي الظالمين ، لا يريد به أنهم غير مأمورين لأن ذلك خلاف الإجماع، فدل على أن المراد به أن يكونوا بمحل من تقبل منهم أوامر الله، ولا يؤمنون عليها.