قوله تعالى:
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم الآية . استثناء لم يأت قبل القدرة عليهم، فيقتضي إخراجهم من جملة من وجب عليهم الحد، لأن الاستثناء حقيقة ذلك، مثل قوله تعالى:
إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته . فأخرج آل
لوط من المهلكين، وأخرج المرأة في الاستثناء من الاستثناء من جملة المنجين. وقال تعالى:
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس فأخرجه من جملة الساجدين.
نعم، قد قال في السرقة:
فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه .
ولم يسقط حد السرقة، لأنه لم يقع الاستثناء من جملة من أوجب عليهم الحدود، وإنما أخبر أن الله غفور رحيم لمن تاب منهم، وفي آيتي المحاربين ذكر استثناء يوجب إخراجهم من الجملة. وقوله:
فمن تاب من بعد ظلمه يصلح أن يكون كلاما مبتدأ مستقلا بنفسه، من غير أن يفتقر إلى تضمين غيره، فلم نجعله مضمنا لغيره إلا بدلالة.
[ ص: 70 ] وقوله:
إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم مفتقر في صحة إلى ما قبله، فوجب تعليقه عليه. ثم إذا استقل الاستثناء باقتضاء إسقاط ما اختص بقطع الطريق، لم يحتج إلى تعليقه بغيره، فلا جرم كان ما يتعلق بالمذهب، أن
ما يتعلق بحق الآدمي قصاصا كان أو غرما، لا يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه . ولما كان قوله:
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا على ما في الصحراء أو البلد، استوى حكم قطع الطريق في البلد والمصر جميعا، ومن فرق فإنما يفرق لا بحكم اللفظ، بل بمعنى يتوهمه فارقا وهو غالط فيه.
ولما ثبت
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي أن الحكم ليس متعلقا بمجرد الفساد في الأرض، ولا بمجرد قطع الطريق، لكن تفاوت العقوبات على حسب تفاوت الجرائم، فالردء المعاون في قطع الطريق لا يلزمه عقوبة من باشر القتل وأخذ المال، وتقدير الكلام: يقتلوا إن قتلوا، أو يصلبوا إن قتلوا وأخذوا المال، فليس لمن لم يفعل من ذلك شيئا أن يدخل في جملتهم .