قوله تعالى:
فعدة من أيام أخر يدل على
جواز القضاء متتابعا ومتفرقا، فإنه ذكر الأيام منكرة، فإذا فرق فقد أتى بما اقتضاه الأمر، وفهمنا أن تتابع صوم رمضان للشهر لا لنفس الصوم، ولذلك لم يكن إفساد يوم منه مانعا صوم الباقي، وقد قال الله تعالى:
فعدة من أيام أخر فدل على جواز التأخير من غير أن يتحدد بوقت، وهو كالأمر المطلق الذي لا يتقيد بوقت، ويجوز مفرقا ومجموعا..
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رأى تقييد القضاء بالسنة قبل دخول رمضان آخر وقال: إذا دخل رمضان آخر فدى عن كل يوم بمد، ورواه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر.
فأما ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رجلا جاء إليه فقال: مرضت رمضانين، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: استمر بك المرض أو صححت فيما بينهما؟ ..
قال: بل صححت، قال: صم رمضانين، وأطعم ستين مسكينا..
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: أنه سئل عمن فرط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر؟ .. قال: يصوم الذي أدركه ويطعم عن الأول كل يوم مدا من تمر ولا قضاء عليه، وهذا يشبه مذهبه في الحامل والمرضع أنهما يطعمان ولا قضاء عليهما، وأقوال الصحابة على خلاف القياس قد يحتج بها..
فقيل لهم: فالقضاء بعد الصوم الآخر مأخوذ من قوله تعالى:
فعدة من أيام أخر . واللفظ قد تناول الأوقات فلا يجوز أن يكون قد
[ ص: 67 ] أوجب القضاء على قوم والفدية على قوم آخرين، بل يقتضي أن يكون الحكم في الكل واحدا، وغاية قول الصحابي على خلاف القياس، أن يتوهم فيه توقيف، مع احتمال كون احتجاجه بالتوقيف فاسدا وغلطا، فظهور هذا من كتاب الله تعالى أولى بالاعتبار والاتباع.
وذكر
داود الأصفهاني أن قضاء رمضان يجب على الفور، وأنه إذا لم يصم اليوم الثاني من شوال أثم لأنه لو مات عصى، وبنى عليه أنه لو وجب عليه عتق رقبة، فوجد رقبة تباع بثمن، فليس له أن يتعداها ويشتري غيرها، لأن الفرض عليه أن يعتق أول رقبة يجدها فلا يجزيه غيرها، ولو كان عنده رقبة فلا يجوز أن يشتري غيرها، ولو مات الذي عنده فلا يبطل العتق كما يبطل فيمن نذر أن يعتق رقبة بعينها فماتت يبطل نذره، وذلك يفسد قوله..
وقد قال بعض الأصوليين: إذا مات بعد مضي اليوم الثاني من شوال لا يعصي على شرط العزم.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11943الرازي أبو بكر إنه لا يعصي إلى السنة القابلة، فإن آخر الوقت معلوم، فبنى عليه أنه لو مات في خلال السنة لا يعصي ، فقدر القضاء بالسنة، وذلك خلاف قول الجماعة، وجعله كوقت الصلاة لما كان التأخير موسعا عليه إلى آخره، لم يكن مفرطا بتأخيره إلى أن مات قبل مضي الوقت، فكذلك قضاء رمضان.
وأجمعوا على
وجوب الفدية إذا مات قبل مضي السنة لا لكونه
[ ص: 68 ] عاصيا، كما تجب على الشيخ الكبير، وتجب الفدية أيضا على من فاته صوم رمضان ومات في أول يوم من شوال ...
قوله تعالى:
فعدة من أيام أخر :
استدل به قوم على أن
المسافر لا صوم عليه، لأن قوله:
فعدة من أيام أخر يدل على أن
الصوم للمسافر في الأيام الأخر، ولم يقدروا الإضمار مثل قول أكثر العلماء: فأفطر فعدة من أيام أخر، وهذا مذهب يروى عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، وقال به
داود إلا أنه صح
nindex.php?page=hadith&LINKID=668512أن رسول الله صام في السفر.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=651807أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أصوم في السفر؟ .. فقال: "إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر" ..
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر nindex.php?page=showalam&ids=4وأبو الدرداء وسلمة ابن المحبق صيام النبي عليه السلام في السفر، ومن خالف في هذا يدفع بظاهر قوله تعالى:
فعدة من أيام أخر . من غير فصل بين المفطر وبين الصائم..
ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=33800 "ليس من البر الصوم في السفر" ..
ورووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة عن أبيه قال: قال
[ ص: 69 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=14452 "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر" .
وبحديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عن النبي عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=673979 "إن الله تعالى وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم، وعن الحامل والمرضع" ..
ومن يخالف هؤلاء يقول: روى
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=hadith&LINKID=673978أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يظلل عليه والزحام عليه فقال: "ليس من البر الصيام في السفر" ، فجائز أن يكون كل من روى ذلك، فإنما حكى ما ذكره النبي عليه السلام في تلك الحال، وساق بعضهم ذكر السبب وحذفه بعضهم.
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري، nindex.php?page=hadith&LINKID=887023أنهم صاموا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان، ثم إنه قال لهم: "إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا" ، فكانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري:
لقد رأيتني مع النبي عليه السلام أصوم قبل ذلك وبعده ، فيجوز أن يكون الخبر ورد على سبب، وهو حال لزوم القتال مع العلم بالعجز عنه مع فعل الصوم. ولأن قوله:
وأن تصوموا خير لكم معطوف على كل من تقدم وبينهم المسافر والمريض..
ثم إنه إذا صام أهل بلد تسعة وعشرين يوما للرؤية، وفي البلد رجل مريض لم يصم، فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما.
وقال قوم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح: إنه يقضي شهرا بشهر من غير
[ ص: 70 ] مراعاة عدد الأيام. وهذا بعيد، لقوله تعالى:
فعدة من أيام أخر ، ولم يقل فشهر من أيام أخر.
وقوله:
فعدة يقتضي استيفاء عدد ما أفطر فيه، ولا شك في أنه لو أفطر بعض رمضان، وجب قضاء ما أفطر بعدده، كذلك يجب أن يكون حكم إفطار جميعه في اعتبار العدد ...
وأجمع أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على أنه إذا
صام أهل بلدة ثلاثين للرؤية وأهل بلدة أخرى تسعة وعشرين، أن على الذين صاموا تسعة وعشرين قضاء يوم، وأصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله لا يرون ذلك، إذا كانت المطالع في البلدتين يجوز أن تختلف.
وحجة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة قوله تعالى:
ولتكملوا العدة وثبت برؤية أهل بلد أن العدة ثلاثون فوجب على هؤلاء إكمالها، ومخالفهم يحتج بما روي عن النبي عليه السلام أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=21241 "صوموا لرؤيته"
الحديث، وذلك يوجب اعتبار عادة كل قوم في بلدهم..
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بإسناده
nindex.php?page=hadith&LINKID=673908عن كريب أن nindex.php?page=showalam&ids=11696أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، فاستهل رمضان وأنا بالشام. فرأينا الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ .. فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتى يكمل الثلاثين أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية وصيامه؟. قال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 71 ] فقيل على هذا: قوله: "هكذا أمرنا" يحتمل أن يكون تأول فيه قول النبي عليه السلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=21241 "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" .