[ ص: 143 ] قوله تعالى:
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم (224)فيه معنيان:
أحدهما: أن يتخذ يمينه حجة مانعة من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، فإذا طلبت منه المعاونة على البر والتقوى والإصلاح قال: قد حلفت. فيجعل اليمين معترضة بينه وبين ما ندب إلى فعله، أو أمر به من البر والتقوى والإصلاح، فلا جرم قال الشافعي:
الأيمان لا تحرم ما أحل الله، ولا تحل ما حرمه الله عن فعل، وإن الذي حل لكونه صلاحا، لا يصير حراما باليمين، فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك، فليفعل وليدع يمينه.
ودل عليه قوله تعالى:
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى إلى قوله:
وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين: حلف
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر رضي الله عنه، في يتيمين كانا في حجره، وكانا فيمن خاض في أمر
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، أحدهما
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح وقد شهد بدرا، وقد أشهد الله تعالى أن لا يصلهما ولا يصيبان منه خيرا، فنزلت هذه الآية:
وفي الخبر:
nindex.php?page=hadith&LINKID=689224 "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير" .
[ ص: 144 ] وهو معنى قوله تعالى:
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم .
والوجه الثاني في التأويل: أن يكون معنى قوله:
عرضة لأيمانكم يريد به كثرة الحلف، وهو نوع من الجرأة على الله تعالى، والابتذال لاسمه في كل حق وباطل، ومن أكثر من ذكر شيء فقد جعله عرضة، كقول القائل:
"قد جعلتني عرضة للومك"
.
وذم الله تعالى مكثر الحلف بقوله تعالى:
ولا تطع كل حلاف مهين .
والمعنى: لا تعرضوا اسم الله تعالى، ولا تبتذلوه في كل شيء، لأن تبروا إذا حلفتم، وتتقوا المأثم فيها، إذا قلت أيمانكم، لأن كثرتها تبعد عن البر والتقوى، وتقرب من المأثم والجرأة على الله تعالى، وكأن المعنى: إن الله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة عليها، لما في توقي ذلك من البر والتقوى والإصلاح، فكونوا بررة أتقياء، كقوله تعالى:
كنتم خير أمة أخرجت للناس .
فأفادت الآية المعنيين، ومتضمنهما النهي عن ابتذال اسم الله سبحانه واعتراضه باليمين في كل شيء، حقا كان أو باطلا، والنهي أيضا عن جعل اليمين مانعة من البر والتقوى والإصلاح.
ودل ذلك على أن اليمين يجوز أن يجعل سببا للكفارة كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لأن اسم الله المعظم، صار متعرضا للابتذال بوصف الحنث، ووصف
[ ص: 145 ] الحنث راجع إلى اليمين، فكانت اليمين سببا، وليست اليمين عبادة لا يمكن جعلها سببا للكفارة.
فإن الإكثار من العبادات مندوب إليه، والإكثار من اليمين منهي عنه.
والإكثار من العبادات تعظيم الله تعالى، والإكثار من اليمين تعريض الاسم للابتذال.
فصح على هذا المعنى جعل اليمين سببا، على خلاف ما رآه أبو حنيفة، وجاز لأجله تقديم الكفارة على الحنث، وجاز لأجله فهم إيجاب الكفارة في اليمين، على فعل الغير وعلى فعل نفسه، وعلى ما يجب فعله، وعلى ما لا يجب، وهو أصل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأيمان..