ثم سبب عن عتوهم قوله :
فأخذتهم الرجفة أي : التي كانت عنها أو منها الصيحة ، أخذ من هو في القبضة على غاية من الصغار والحقارة ، ولعل توحيد الدار هنا مع الرجفة في قصة
صالح وشعيب - عليهما السلام - في قوله تعالى :
فأصبحوا في دارهم أي : مساكنهم ، وجمعها في القصتين مع الصيحة ، في سورة : (
هود ) - عليه السلام - للإشارة إلى عظم الزلزلة والصيحة في الموضعين ، وذلك لأن الزلزلة إذا كانت في شيء واحد كانت أمكن ، فتكون في المقصود من النكال أعظم ، والصيحة من شأنها الانتشار ، فإذا عمت الأماكن المتنائية والديار المتباعدة فأهلكت أهلها ومزقت
[ ص: 450 ] جماعتها وفرقت شملها -كانت من القوة المفرطة والشدة البالغة بحيث تنزعج من تأمل وصفها النفوس وتجب لها القلوب ، وحاصله أنه حيث عبر بالرجفة وحد الدار ؛ إشارة إلى شدة العذاب بعظم الاضطراب ، وحيث عبر بالصيحة جمع ؛ إيماء إلى عموم الموت بشدة الصوت ، ولا مخالفة لأن عذابهم كان بكل منها ، ولعل إحداهما كانت سببا للأخرى ، ولعل المراد بالرجفة اضطراب القلوب اضطرابا قطعها ، أو أن الدار رجفت فرجفت القلوب وهو أقرب ، وخصت الأعراف بما ذكر فيها ؛ لأن مقصودها إنذار المعرضين ، والرجفة أعظم قرعا لعدم الإلف لها - والله أعلم
جاثمين أي : باركين على ركبهم لازمين أماكنهم لا حراك بأحد منهم ، ولم يبق منهم في تلك الساعة أحد إلا رجل واحد كان في
الحرم ، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه وهو
أبو رغال ، ومسافة
الحرم عن أرضهم تزيد على مسيرة عشرة أيام ، ومن الآيات العظيمة أن ذلك الذي خلع قلوبهم وأزال أرواحهم لم يؤثر في
صالح - عليه السلام - والمستضعفين معه شيئا ، وذلك مثل الريح التي زلزلت الأحزاب ، وأنالتهم أشد العذاب ، ورمتهم بالحجارة والتراب حتى هزمتهم وما نال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منها كبير أذى ، وكفها الله عن
[ ص: 451 ] nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة ، وكذا البرد الذي كان ذلك زمانه لما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتعرف له أخبارهم .