[ ص: 58 ] ولما نهضت الأدلة على أنه لا حظ لهم في الآخرة غير النار وذلك نقيض دعواهم أنها لهم فقط في قولهم :
لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وتفسيرهم ذلك بأنها سبعة أيام وأنا نخلفهم فيها ختم سبحانه ذلك بدليل قطعي بديهي فقال :
قل إن كانت وقدم الجار إشعارا بالاختصاص ; فقال :
لكم الدار الآخرة أي : كما زعمتم ، وميزها بقوله :
عند الله الذي له الكمال كله ، وبين المراد بقوله :
خالصة ولما ذكر الخلوص تأكيدا للمعنى زاده تأكيدا بقوله :
من دون الناس أي : سائرهم لا يشرككم فيها أحد منهم من الخلوص وهو تصفية الشيء مما يمازجه في خلقته مما هو دونه ، قاله الحرالي .
فتمنوا الموت لأن ذلك علم على صلاح حال العبد مع ربه وعمارة ما بينه وبينه ورجائه للقائه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : فعلى قدر نفرة النفس من الموت يكون ضعف منال النفس مع المعرفة التي بها تأنس بربها فتتمنى لقاءه وتحبه ، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، يقع ذلك لعامة المؤمنين عند
[ ص: 59 ] الكشف حال الغرغرة ، ولخاصة المؤمنين في مهل الحياة لأنهم لو كشف لهم الغطاء لم يزدادوا يقينا ، فما هو للمؤمن بعد الكشف من محبة لقاء الله فهو للموقن في حياته ويقظته ، لكمال الكشف له مع وجود حجاب الملك الظاهر ; ولذلك ما مات نبي حتى يخير فيختار لقاء الله ، لتكون وفادته على الله وفادة محب مبادر ، ولتقاصر المؤمن عن يقين النبي يتولى الله الخيرة في لقائه ، لأنه وليه ، ومنه ما ورد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=944482ما ترددت في شيء ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت ، وأنا أكره مساءته ولا بد له منه ; ففي ضمن ذلك اختيار الله للمؤمن لقاءه ، لأنه وليه يختار له فيما لا يصل إليه إدراكه ، انتهى .
[ ص: 60 ] ثم سجل عليهم بالكذب فقال :
إن كنتم صادقين أي : معتقدين للصدق في دعواكم خلوصها لكم ، ولما كان التقدير : فقال لهم فما تمنوه ؟ عطف عليه قوله ; إخبارا بالغيب قطعا للعناد مؤكدا لأن ادعاءهم الخلوص أعظم من ادعائهم الولاية كما في سورة الجمعة :
ولن يتمنوه أبدا ، ثم ذكر السبب في عدم التمني فقال :
بما قدمت وهو من التقدمة وهي وضع الشيء قداما وهو جهة القدم الذي هو الأمم والتجاه أي : قبالة الوجه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي . وعبر باليد التي بها أكثر الأفعال إشارة إلى أن أفعالهم لقباحتها كأنها خالية عن القصد فقال :
[ ص: 61 ] أيديهم أي : من الظلم وإلى ذلك أشار قوله عاطفا على ما تقديره : فالله عليم بذلك ؟
والله الذي لا كفؤ له ،
عليم بالظالمين أي : كلهم حيث أظهر تنبيها على الوصف الموجب للحكم وتعميما وتهديدا .