ولما كان للتعميم بعد التخصيص والتفصيل بعد الإجمال من الموقع في النفوس ما لا يخفى ، وكان النهي عن الإفساد بالصد عن سبيل الله هو المقصود بالذات لأنه ينهى عن كل فساد - خصه بالذكر إشارة إلى أنه زبدة المراد بعد التعميم ، فقال :
ولا تقعدوا أي : تفعلوا فعل المترصد المقبل بكليته
بكل صراط أي : طريق من طرق الدنيا والدين من الحلال والحرام والأوامر والنواهي والمحكم والمتشابه والأمثال
[ ص: 462 ] توعدون أي : تتهددون من يسلكه بكل شر إن لم يوافقكم على ما تريدون .
ولما كان طريق الدين أهم ، خصه بالذكر فقال :
وتصدون أي : توقعون الصد على سبيل الاستمرار
عن سبيل الله أي : طريق من له الأمر كله. ولما ذكر الصدود عنه ، ذكر المصدود فقال :
من آمن به أي : بالله ، فسلك سبيله التي لا أقوم منها; ولما كانوا لا يقنعون بمطلق الصد بالتهديد ونحوه ، بل يبدون للمصدود شبها توهمه أنه على ضلال ، قال عاطفا :
وتبغونها عوجا أي : وتطلبون السبيل حال كونها ذات عوج ، أي : تطلبون اعوجاجها بإلقاء الشبهات والشكوك كما تقول : أريد فلانا ملكا ، أي : أريد ملكه ، وقد تقدم في : (آل عمران) أن نصبه على الحال أرجح ، وأن قوله - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650151 (ابغني أحجارا أستنفض بها) يرجح نصبه على المفعولية - والله اعلم .
ولما كانت أفعالهم نقص الناس إما في الأموال بالبخس وإما في الإيمان والنصرة بالصد ، ذكرهم أن الله تعالى فعل معهم ضد ذلك من التكثير بعد القلة في سياق منذر باجتثاثهم عن وجه الأرض وخصهم فضلا عن تقليلهم ونقصهم ، فقال عطفا على قوله :
اعبدوا الله وما بعده من الأوامر والنواهي :
واذكروا إذ أي : حين
كنتم قليلا أي : في العدد والمدد
فكثركم أي : كثر عددكم وأموالكم وكل شيء ينسب إليكم ، فلا تقابلوا النعمة بضدها ، فإن ذكر النعمة مرغب في الشكر .
[ ص: 463 ] ولما رغبهم بالتذكير بالنعمة ، حذرهم بالتذكير بأهل النقمة فقال :
وانظروا كيف كان عاقبة أي : آخر أمر
المفسدين أي : في عموم الإهلاك بأنواع العذاب لتحذروا من أن يصيبكم مثل ما أصابهم كما صرح به في سورة : (
هود ) لكون الحال هناك مقتضيا للبسط كما سيأتي - إن شاء الله تعالى- .