ولما أثبت أن الإلهية لا تصلح لغيره، وأن غيره لم يكن يقدر على تفضيلهم، وكان المقام للعظمة، وكان كأنه قيل إيذانا بغلظ أكبادهم وقلة فطنتهم وسوء مقابلتهم للمنعم: اذكروا ذلك، أي: تفضيله لكم باصطفاء آبائكم
إبراهيم وإسحاق ويعقوب وما تقدم له عندهم وعند أولادهم من النعم لا سيما
يوسف عليه السلام الذي حكمه في جميع الأرض التي استذلكم أهلها; عطف عليه إشارة إليه قوله التفاتا إلى مظهر العظمة تذكيرا بعظمة مدخوله:
وإذ أي: واذكروا إذ
أنجيناكم أي: على ما نحن عليه من العظمة التي أنتم لها عارفون، ولها [في] كل وقت في تلك الآيات مشاهدون
من آل فرعون وما أفضنا عليكم بعد الإنجاء من النعم الجسام وأريناكم من الآيات العظام تعرفوا أنا فضلناكم
[ ص: 73 ] على جميع الأنام; ثم استأنف بيان ما أنجاهم منه بقوله:
يسومونكم أي: ينزلون بكم دائما
سوء العذاب
ولما كان السياق - كما مضى - لبيان إسراعهم في الكفر وشدة علوتهم في قوتهم وجلافتهم، وكان مقصود السورة إنذار المعرضين وتحذيرهم من القوارع التي أحلها بالماضين، بين سوء العذاب عادلا في بيانه عن التذبيح - لأنه لا يكون عند الانذباح، وهو في الأصل لمطلق الشق - إلى التعبير بالقتل لأنه أدل على الإماتة وأهز؛ لأنه قد يكون على هيئة شديدة بشعة كالتقطيع والنخس والخبط وغير ذلك مع أنه لا بد فيه من تفويت ذلك فقال:
يقتلون أي: تقتيلا كثيرا -
أبناءكم ودل على حقيقة القتل بقوله:
ويستحيون
ولما كان المعنى أنهم لا يعرضون للإناث صغارا ولا كبارا، [وكان إنكار ما يكون إبقاء النساء بلا رجال لما يخشى من الضياع والعار، وكان مظنة العار أكبر]، عبر عنهن بقوله:
نساءكم وتنبيها على أن
قتل الأبناء إنما هو للخوف من صيرورتهم رجالا لئلا يسلبهم واحد منهم أعلمهم به كهانهم ملكهم; وأشار إلى شدة ذلك بقوله:
وفي ذلكم أي: الأمر الصعب المهول
بلاء أي: اختبار لكم ولهم
من ربكم أي: المحسن إليكم في حالي الشدة والرخاء، فإنه أخفى عنهم الذي قصدوا القتل لأجله، وأنقذكم به بعد أن رباه عند الذي هو مجتهد في ذبحه
عظيم