ولما كان ذلك كله مما يتعجب الموفق من ارتكابه، أعقبه تعالى مبينا ومصورا ومحققا لوقوعه ومقررا قوله عطفا على:
فأتوا على قوم يعكفون مبينا لإسراعهم في الكفر:
واتخذ أي: بغاية الرغبة
قوم موسى أي: باتخاذ
السامري ورضاهم، ولم يعتبروا شيئا مما أتاهم به من تلك الآيات التي لم ير مثلها
من بعده أي: بعد إبطائه عنهم بالعشرة الأيام التي أتممنا بها الأربعين
من حليهم أي: التي كانت معهم من مالهم ومما استعاروه من القبط
عجلا ولما كان العجل اسما لولد البقر، بين أنه إنما يشبه صورته فقط، فقال مبدلا منه:
جسدا
ولما كان الإخبار بأنه جسد مفهما لأنه خال مما يشبه الناشئ
[ ص: 86 ] عن الروح، قال:
له خوار أي: صوت كصوت البقر، والمعنى أنه لا أضل ولا أعمى من قوم كان معهم حلي أخذوه ممن كانوا يستعبدونهم ويؤذونهم وهم مع ذلك أكفر الكفرة فكان جديرا بالبغض لكونه من آثار الظالمين الأعداء فاعتقدوا أنه بالصوغ صار إلها وبالغوا في حبه والعبودية له وهو جسد يرونه ويلمسونه، ونبيهم الذي هداهم الله به واصطفاه لكلامه يسأل رؤية الله فلا يصل إليها.
ولما لم يكن في الكلام نص باتخاذه إلها، دل على ذلك بالإنكار عليهم في قوله:
ألم يروا أي: الذين اتخذوا إلها
أنه لا يكلمهم أي: كما كلم الله
موسى عليه السلام
ولا يهديهم سبيلا كما هداهم الله تعالى إلى سبيل النجاة، منها سلوكهم في البحر الذي كان سببا لإهلاك عدوهم كما كان سببا لنجاتهم; قال
أبو حيان : سلب عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية؛ لأن انتقاء التكليم [يستلزم] انتفاء العلم، وانتفاء الهداية إلى سبيل يستلزم انتفاء القدرة، وانتفاء هذين الوصفين يستلزم انتفاء باقي الأوصاف.
ولما كان هذا أمرا عظيما جدا مستبعد الوقوع ولا سيما من قوم نبيهم بينهم ولا سيما وقد أراهم من النعم والآيات ما ملأت أنواره الآفاق، كان جديرا بالتأكيد فقال تعالى:
اتخذوه أي: بغاية الجد والنشاط والشهوة
وكانوا أي: جبلة وطبعا مع ما أثبت لهم من الأنوار
[ ص: 87 ] ظالمين أي: حالهم حال من يمشي في الظلام، أو أن المقصود أن الظلم وصف لهم لازم، فلا بدع إذا فعلوا أمثال ذلك.