ولما كان معنى
الم هذا كتاب من جنس حروفكم التي قد فقتم في التكلم بها سائر الخلق ، فما عجزتم عن الإتيان بسورة من مثله إلا لأنه كلام الله أنتج ذلك كماله ، فأشير إليه بأداة البعد ولام الكمال في قوله :
ذلك الكتاب لعلو مقداره بجلالة آثاره وبعد رتبته عن نيل المطرودين . ولما علم كماله أشار إلى تعظيمه بالتصريح بما ينتجه ويستلزمه ذلك التعظيم فقال :
لا ريب فيه أي في شيء من معناه ولا نظمه في
[ ص: 80 ] نفس الأمر عند من تحقق بالنظر ، فالمنفي كونه متعلقا للريب ومظنة له ، ولم يقدم الظرف لأنه كان يفيد الاختصاص فيفهم أن غيره من الكتب محل الريب .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : " ذا " اسم مدلوله المشار إليه ، واللام مدلوله معها بعد ما الكتاب من الكتب وهو وصل الشيء المنفصل بوصلة خفية من أصله كالخرز في الجلد بقد
>[1] منه ، والخياطة في الثوب بشيء من جنسه ليكون أقرب لصورة اتصاله الأول ، فسمي به ما ألزمه الناس من الأحكام وما أثبت بالرقوم من الكلام ، " لا " لنفي ما هو ممتنع مطلقا أو في وقت ، " الريب " التردد بين موقعي تهمة بحيث يمتنع من الطمأنينة على كل واحد منهما . انتهى . وأصله قلق النفس واضطرابها ، ومنه
[ ص: 81 ] ريب الزمان لنوائبه المقلقة ، ولما كان ذلك يستلزم الهدى قال :
هدى وخص المنتفعين لأن الألد لا دواء له ، والمتعنت لا يرده شيء ، فقال :
للمتقين أي الذين جبلوا في أصل الخلقة على التقوى ؛ فافهم ذلك أن غيرهم لا يهتدي به ، بل يرتاب ، وإن كان ليس موضعا للريب أصلا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : جمع المتقي ، وهو المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير مستغن بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته ، والمتقي كذا متوقف لأجل ذلك ، والتقوى
[ ص: 82 ] أصل يتقدم الهدى وكل عبادة ، لأنها فطرة توقف تستحق الهدى وكل خير ، وهي وصية الله [ لأهل الكتاب ] . انتهى .