ولما كان بين لهم فساد أعمالهم لفساد نياتهم تنفيرا منها، زاد في التنفير بالإشارة إلى الأمر بدوام تذكرها بعاطف على غير معطوف عليه مذكور فقال:
وإذ فعلم أن التقدير قطعا: اذكروا ذلك واذكروا إذ، وزاد في التنفير بذكر العدو المبين والتنبيه على أن كل ما يأمر به إنما هو خيال لا حقيقة له كما كان ما سول لهم في هذا الأمر فقال:
زين لهم الشيطان أي: العدو المحترق البعيد من الخير
أعمالهم التي أتقنوها بزعمهم في معاداة النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه تبدى لهم في صورة
سراقة بن مالك بن جعشم الكناني حين خافوا من قومه
بني كنانة أن يخلفوهم في أهليهم بسوء لما كان بينهم مما يوجب ذلك، فكاد ذلك أن يثبطهم عن المسير
وقال غارا لهم في أنفسهم
لا غالب لكم والجار خبر
لا وإلا لانتصب اسمها لكونه يكون إذ ذاك شبيها بالمضاف
اليوم من الناس وغارا لهم فيمن خلفوه بقوله:
وإني جار لكم من أن تخلفكم
كنانة بشيء تكرهونه، وسار معهم إلى
بدر ينشطهم وينشدهم ويسلطهم بهذا القول الظاهر إلى ما يوسوس لهم به في الصدور
فلما تراءت الفئتان أي: رأت كل فئة الأخرى ورأى
جبريل عليه السلام في جنود الله
نكص أي: رجع يمشي القهقرى وبطل كيده وآثار وسوسته
على عقبيه أي: إلى ورائه، فقالوا
[ ص: 299 ] أين، أي سراق؟ ولا يظنونه إلا
سراقة ، فمر ولم يجبهم ولا عرج عليهم
وقال أي: بلسان الحال أو القال وهو يسمعونه أو لا يسمعونه:
إني بريء منكم ثم علل براءته منهم بقوله:
إني أرى أي: بعين بصري
ما لا ترون أي: من الملائكة والغضب الذي هو نازل بكم، فقال له
الحارث بن هشام وكانت يده في يده: والله ما نرى إلا جواسيس يثرب! فاستأنف قوله مؤكدا لإنكارهم لذلك:
إني أخاف الله أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلما أن يهلكني معكم بالمعاجلة بالعقاب
والله أي: الملك الأعظم
شديد العقاب فكانوا يقولون: انهزم بنا
سراقة ، فقال: بلغني أنكم تقولون كذا! والله ما علمت بمسيركم هذا إلا عندما بلغني انهزامكم فكانوا يكذبونه حتى أسلموا فعلموا أن الذي غرهم الشيطان، وذلك مشهور في السير، وهو أولى من أن يحمل على مجرد الوسوسة، وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=708048 "ما رئي إبليس يوما أصغر ولا أحقر ولا أغيظ من يوم عرفة؛ لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رئي يوم بدر".