ولما بين بما مضى ما يوجب الاجتماع عليه والرجوع في كل أمر إليه، وبين أن من خالف ذلك هلك كائنا من كان; أتبعه بما يبين أن هذا من العموم والاطراد بحيث لا يخص زمانا دون زمان ولا مكانا سوى مكان فقال تعالى:
كدأب أي: عادة هؤلاء الكفار وشأنهم الذي دأبوا فيه وداموا وواظبوا فمرنوا عليه كعادة
آل فرعون أي: الذين هؤلاء اليهود من أعلم الناس بأحوالهم،
والذين ولما كان المهلكون لأجل تكذيب الرسل بعض أهل الزمان الماضي، أدخل الجار فقال:
من قبلهم وهو مع ذلك من أدلة:
فلم تقتلوهم لأن هؤلاء الذين أشار إليهم كان هلاكهم بغير قتال، بل بعضهم بالريح وبعضهم بالصيحة وبعضهم بالغرق وبعضهم بالخسف الذي هو غرق في الجامد، فكأنه يقول: لا ينسب أحد لنفسه فعلا؛ فإنه لا فرق عندي في إهلاك أعدائي بين أن يكون إهلاكهم بتسليط من قتال أو غيره، الكل بفعلي، لولا أنا ما وقع، وذلك زاجر عظيم لمن افتخر بقتل من قتله الله على يده، أو نازع في النفل، وهو راجع إلى قوله تعالى:
لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم وفي ذلك حث على التمرن على عدم
[ ص: 304 ] الاكتراث بشيء يكون للنفس فيه أدنى حظ ليصير ذلك خلقا كما هو دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يضيف شيئا من محاسنه إلا إلى خالقه إلا إن كان مأمورا فيه بالتشريع، بل يقول: قتلهم الله، صرفهم الله، نصرنا الله، كفى الله، فإذا صار ذلك للمستمسكين به خلقا أفضى بهم إلى مدح الخالق والمخلوق لهم كما قال
كعب بن زهير رضي الله عنه في مدحهم:
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
ثم بين تعالى الحال الذي شابهوا فيه من قبلهم بقوله:
كفروا بآيات الله أي: ستروا ما دلتهم عليه أنوار عقولهم من دلالات الملك الأعلى وغطوها لأنهم لم يعملوا بها وصدوا عن ذلك من تبعهم، فكان جزاؤهم ما تسبب عن ذلك من قوله:
فأخذهم الله أي: الذي له مجامع الكبر ومعاقد العظمة والعز أخذ غلبة وقهر وعقوبة،
بذنوبهم كما أخذهم فإنهم تجرأوا على رتبة الألوهية التي تخسأ دون شوامخها نوافذ الأبصار، وتظلم عند بوارق أشعتها سواطع الأنوار، وتضمحل بالبعد عن أول مراقيها القوى، وتنقطع بتوهم الدنو من فيافيها الأعناق، فنزلت بهم صواعق هيبتها، وأناخت عليهم صروف عظمتها، فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم ولا تحس إلا ملاعبهم وأماكنهم.
ولما أخبر بأخذهم، علله بقوله:
إن الله أي: الذي له الإحاطة الشاملة
قوي أي: يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء،
شديد العقاب