ولما بين سبحانه أفعالا وأقوالا لطوائف من المنافقين - منهم من كان معه صلى الله عليه وسلم في العسكر - هي في غاية الفساد، كان ذلك ربما اقتضى أن يسأل عن المتخلفين لو خرجوا ما كان يكون حالهم؟ فقال جوابا عن ذلك واستدلالا على أن إجرام الذين لم يعف عنهم منهم خلق لازم:
المنافقون والمنافقات أي: الذين أظهروا الإيمان
[ ص: 520 ] وأبطنوا الكفران
بعضهم ولما كان مرجعهم الجمود على الهوى والطبع والعادة والتقليد من التابع منهم للمتبوع، قال:
من بعض أي: في
صفة النفاق هم فيها كالجسد الواحد، أمورهم متشابهة في أقوالهم وأفعالهم وجميع أحوالهم، والقصد أن حالهم يضاد حال أهل الإيمان ولذلك بينه بقوله:
يأمرون بالمنكر أي: مما تقدم من الخبال والإيضاع في الخلال وغير ذلك من سيء الخصال
وينهون عن المعروف أي: من كل ما يكون فيه تعظيم الإسلام وأهله، يبغون بذلك الفتنة
ويقبضون أيديهم أي: يشحون فلا ينفقون إلا وهم كارهون.
ولما كان كأن قيل: أما خافوا بذلك من معاجلة العقاب؟ أجاب بقوله:
نسوا الله أي: الملك الأعلى الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه، ويصلح أن يكون علة لما تقدم عليه; ولما أقدموا على ذلك سبب عنه قوله:
فنسيهم أي: فعل بهم فعل الناسي لما استهان به بأن تركهم من رحمته، فكان ذلك الترك سببا لحلول نقمته; ولما تطبعوا بهذه النقائص كلها، اختصوا بكمال الفسق فشرح ذلك في أسلوب التعجيب من حالهم فقال مظهرا موضع الإضمار تعميما وتعليقا للحكم بالوصف:
إن المنافقين هم أي: خاصة
الفاسقون أي: الخارجون عن دائرة ما ينفعهم من الطاعة الراسخون في ذلك، فقد علم أنهم لو غزوا فعلوا فعل هؤلاء سواء لأن الكل من طينة واحدة.