ولما ثبتت موالاة المؤمنين ومقاطعتهم للمنافقين والكافرين، وكان ما مضى من
الترغيب والترهيب كافيا في الإنابة، وكان من لم يرجع
[ ص: 547 ] بذلك عظيم الطغيان غريقا في الكفران، أتبع ذلك الأمر بجهادهم بما يليق بعنادهم فقال آمرا لأعظم المتصفين بالأوصاف المذكورة مفخما لمقداره بأجل أفراد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يا أيها النبي أي: العالي المقدار بما لا يزال يتجدد له منا من الأنباء وفينا من المعارف; ولما كان الجهاد أعرف في المصارحين، وكانوا أولى به لشدة شكائمهم وقوة نفوسهم وعزائمهم بدأ بهم فقال:
جاهد الكفار أي: المجاهرين
والمنافقين أي: المسائرين كلا بما يليق به من السيف واللسان.
ولما كان صلى الله عليه وسلم مطبوعا على الرفق موصى به، قال تعالى:
واغلظ عليهم أي: في الجهادين ولا تعاملهم بمثل ما عاملتهم به من اللين عند استئذانهم في العقود، وهذا بخلاف ما مضى في وعيد المنافقين حيث قدمهم فقال:
المنافقين والمنافقات والكفار فقدم في كل سياق الأليق به; ولما كان المعنى: فإنك ظاهر عليهم وقاهر لهم وهم طعام السيف وطوع العصا، عطف عليه قوله:
ومأواهم أي: في الآخرة
جهنم وبئس المصير