ولما كان ابن أبي سبب النهي عن الاستغفار لهم، وكان ابنه
عبد الله بن عبد الله من خيار المؤمنين وخلص المحسنين وكان لبعض المنافقين أبناء مثله، وكان من طبع البشر أن يذكر في كثير من مقاله غلطا ما يندم عليه، وكان شديد الوقوف لما حف به من العلائق البدنية وشمله من العوائق بالأوهام النفسانية مع أوهامه وعوائقه قاصرا على قيوده وعلائقه، فكان لإعادة الكلام وتكريره وترديده ومزيد تقريره تأكيد في النفوس وتعزية وتثبيت في القلوب، كرر آية الإعجاب
[ ص: 567 ] لهذه الأسباب لأن يكون حكمها على بال من المخاطب لا ينساه لاعتقاد أن العمل به مهم جدا يفتقر إلى فضل عناية، وأن ذلك شبيه بما أوهم صاحبه فهو يتكلم فيه ثم ينتقل إلى غيره لغرض صحيح ثم يرجع إليه في أثناء حديثه لشدة اهتمامه به تنبيها على ذلك، ولا يرجع إليه إلا على غاية ما يكون من حسن الربط وبراعة التناسب، وعطفها بالواو دون الفاء؛ لأن ذلك ليس مسببا عما قبله كما سبق في الآية الأولى، أي: لا تستغفر لهم ولا تصل عليهم ولا يعجبك قولهم: مستعطفين لك في طلب محبتك وإن زخرفوه وأكدوه بالأيمان التي اتخذوها جنة
ولا تعجبك أموالهم وأسند النهي إليها إبلاغا فيه.
ولما لم يكن هنا ما اقتضى تأكيد النفي مما مضى في الآية الأولى، لم يعد النافي ولا أثبت اللام ولا الحياة فقال:
وأولادهم أي: وإن أظهروا أنهم يجاهدون بها معك ويتقربون بها إلى الله؛ فإن الله لا يريد بهم ذلك فلا ييسره لهم لما علم من مباعدتهم للخير وعدم قابليتهم له فلا يحملك الإعجاب بشيء من ذلك على فعل شيء مما تقدم النهي عنه تأليفا لأمثالهم للمساعدة بأولادهم وأموالهم
[ ص: 568 ] وتطييبا لقلوب المؤمنين من أولادهم؛ فإنهم إن كانوا مؤمنين لم يضرهم ترك ذلك وإلا فبعدا لهم وسحقا
إنما يريد الله أي: بعزه وعظمته وعلمه وإحاطته
أن يعذبهم أي: تعذيبهم
بها فالفعل واقع بخلافه في الآية السابقة
في الدنيا أي: بجمعها ومحبة الإخلاد إليها وإلى الأولاد إن كانوا مثلهم في الاعتقاد وإلا كانوا زيادة عذاب لهم في الدارين
وتزهق أي: تخرج بغاية العسر
أنفسهم وهم لاغترارهم بها
كافرون ولا شك أن خطاب الرأس بغاية العسر
أنفسهم وهم لاغترارهم بها
كافرون ولا شك أن خطاب الرأس بشيء أوقع في قلوب أصحابه فلذلك وقع الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره من أتباعه وجماعته وأشياعه ممن قد يجنح إلى الأسباب ويقف عنده كما هو طبع النفوس في تأمل ما شهد ونسيان ما غاب وعهد تدريبا لهم على الحب في الله والبغض فيه لأنه من أدق أبواب الدين فهما وأجلها قدرا، وعليه تبتنى غالب أبوابه، ومنه تجتنى أكثر ثمراته وآدابه، وذلك أنه ربما ظن الناظر فيمن بسطت عليه الدنيا أنه من الناجين فيواده لحسن قوله: غافلا عن سوء فعله، أو يظن أن أهل الدين فقراء إلى مساعدته لهم في جهاد أو غيره بماله وذويه روية فيداريه، فأعلمهم تعالى أن ما هذا سبيله مقطوع البركة نهيا عن النظر إلى الصور وتنبيها على قصر الأنظار على المعاني
قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث الآية.
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم