ولما علم من هذا بطريق الإشارة والتلويح أن التأسيس مثل ابتداء خلق الحيوان، فمن جبل من أول مرة جبلة شر لا يصلح للخير أبدا ولا يقبله كما قال تعالى:
ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ذكره على سبيل التصريح فسبب عما مضى قوله ممثلا الباطل ببناء على حرف واد واه جدا على شفير جهنم:
أفمن أسس بنيانه أي كما أشرت إليه في المسجد المحثوث بالإقبال عليه
على تقوى من الله أي الملك الأعلى
ورضوان فكان كمن بنى بنيانه على جبل لا تهدمه الأمطار ولا تؤثر فيه السيول
خير أم من أسس بنيانه على فسق وفجور وعدم اكتراث بالأمور فكان كمن بنى بنيانه
على شفا أي حرف، ومنه الشفه
جرف أي مكان جفرة السيل \ وجرفه فصار مشرفا على السقوط، ولذلك قال:
هار أي هائر، من هار الجرف - إذا أشرف لتخريق السيول على السقوط
فانهار أي: فكان بناؤه لذلك سببا لأنه سقط سقوطا لا تماسك معه
به أي: وهو فيه آمنا من سقوطه بقلة عقله وسفاهة رأيه
في نار جهنم [ ص: 21 ] فالجواب: لا شك الأول خير، بل لا خير في الثاني أصلا، والعجب كل العجب من كونه بنى هذا البناء هكذا، فأجيب بأنه لا عجب لأن الأمر بيد الله، لا مفر من قضائه، وهو قد هدى الأول إلى ما فيه صلاحه، ولم يهد الثاني لما علم فيه من عدم قابلية الخير
والله الذي له صفات الكمال
لا يهدي القوم أي الذين لهم قوة المحاولة لما يريدون
الظالمين أي المطبوعين على ظلام البصائر، فهم لا يكفرون في شيء إلا جاء في غير موضعه وعلى غير نظام كخطوات الماشي في الظلام، وقد علم أن الآية من قبيل الاحتباك: أثبت أولا التقوى؛ لأن أهل الإسلام أحق بها، فدلت على حذف ضدها ثانيا، وأثبت ثانيا ضعف البناء حسا لأن مسجد الضرار أولى به، فدل على حذف ضده أولا، فذكر النهاية المعقولة لأهلها والبداية المحسوسة للناظرين لها; وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال: رأيت الدخان من مسجد الضرار; وحكي عن
خلف بن يسار أنه رأى فيه حجرا يخرج منه الدخان في أول دولة بني العباس.