سورة يونس عليه السلام
وهي أولى المئين إن جعلنا براءة مع الأنفال من الطول، وإلا فبراءة أولاهن، مقصودها وصف الكتاب بأنه من عند الله من عند الله لما اشتمل عليه من الحكمة، وأنه ليس إلا من عنده سبحانه؛ لأن غيره لا يقدر على شيء منه، وذلك دال بلا ريب على أنه واحد في ملكه لا شريك له في شيء من أمره، وتمام الدليل على هذا قصة قوم
يونس عليه السلام بأنهم لما آمنوا
[ ص: 62 ] عند المخايل كشف عنهم، فدل قطعا على أن الآتي به هو الله الذي آمنوا به؛ إذ لو كان غيره لكان إيمانهم به موجبا للإيقاع بهم، ولو عذبوا كغيرهم لقيل: هذه عادة الدهر، كما قالوا: قد مس آباءنا الضراء والسراء، ودل ذلك على أن عذاب غيرهم من الأمم إنما هو من عند الله لكفرهم لما اتسق من ذلك طردا بأحوال سائر الأمم من أنه
كلما وجد الإصرار على التكذيب وجد العذاب ، وعكسا من أنه كلما انتفى في وقت يقبل قبول التوبة انتفى - والله الموفق.
" بسم الله " أي الذي لا أمر لأحد سواه فلا كلام يشبه كلامه فلا كفء له " الرحمن " الذي عم بكلامه جميع خلقه فأوضح البيان " الرحيم " الذي أتم لمطيعهم نعمة الامتنان
الر فخم الراء
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع وحفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم، وأمالها
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع بين بين، والباقون بالإمالة المحضة، والأصل في ذلك الفتح، وكذا ما كان من أمثالها مما ألفاتها ليست منقلبة عن ياء نحو: ما ولا، وإمالتها للتنبيه على أنها أسماء للحروف وليست حروفا - نقل ذلك عن الواحدي.
لما قدم في أول الأعراف الحث على إبلاغ النصيحة بهذا الكتاب وفرغ مما اقتضاه السياق من التحذير من مثل وقائع الأولين ومصارع الماضين ومما استتبع ذلك من توصيل القول في ترجمة هذا النبي الكريم مع قومه في أول أمره وأثنائه وآخر في سورتي الأنفال وبراءة، وختم ذلك بأن سور الكتاب تزيد كل أحد مما هو ملائم له متهيئ
[ ص: 63 ] لقبوله وتبعده عما هو منافر له بعيد من قبول ملاءمته، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك قد حوى من الأوصاف والحلي والأخلاق العلى ما يوجب الإقبال عليه والإسراع إليه. والإخبار بأن توليهم عنه لا يضره شيئا؛ لأن ربه كافيه لأنه لا مثل له وأنه ذو العرش العظيم; لما كان ذلك كذلك، أعاد سبحانه القول في شأن الكتاب الذي افتتح به الأعراف وختم سورة التوبة، وزاده وصف الحكمه وأشار بأداة البعد إلى أن رتبته فيها بعيدة المنال بديعة المثال فقال:
تلك أي الآيات العظيمة جدا التي اشتملت عليها هذه السورة، أو السور التي تقدمت هذه السورة أو هذه الحروف المقطعة المشيرة إلى أن القرآن كلام الله وإلا لما أعجز القادرين على التلفظ بهذه الأحرف.
آيات الكتاب أي الذكر الجامع لكل خير، وهو هذا القرآن الذي وافق كل ما فيه من القصص كل ما في التوراة والإنجيل من ذلك، فدل ذلك على صدق الآتي به قطعا؛ لأنه لم يكن يعرف شيئا مما في الكتابين ولا جالس أحدا يعلمه
الحكيم فكان فيما مضى - أن كونه من عند الله كاف في وجوب اتباعه - وفيما هنا تأكيد الوجوب بكونه مع ذلك حكيما، والآية: العلامة التي تنبئ عن مقطع الكلام من جهة مخصوصة، والحكيم: الناطق بالحكمة. وهي المعروف بما يجتمع عليه مما يمنع الفعل من الفساد
[ ص: 64 ] والنقص، استعير له ذلك لأنه دليل كالناطق بالحكمة لأنه يؤدي إلى المعرفة التي يميز بها طريق النجاة من طريق الهلاك، وهو حاكم يبين الحق من الباطل في الأصول والفروع ويحكم بالعدل الذي لا جور فيه بوجه في كل نازلة، ومحكم لما أتى به، مانع له من الفساد، لا يمحوه الماء ولا تحرقه النار، ولا تغيره الدهور، وهذا ما ظهر لي في التحامها بما قبلها; وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تضمنت سورة براءة قوله تعالى:
إلا تنصروه فقد نصره الله وقوله:
عفا الله عنك لم أذنت لهم وقوله:
ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم وقوله:
لقد جاءكم رسول من أنفسكم - إلى آخر السورة إلى ما تخلل أثناء آي هذه السورة الكريمة مما شهد \ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتخصيصه بمزايا السبق والقرب والاختصاص والملاطفة في الخطاب ووصفه بالرأفة والرحمة، هذا ما انطوت هي والأنفال عليه من قهره أعداءه، وتأييده ونصره عليهم وظهور دينه، وعلو دعوته وإعلاء كلمته إلى غير هذا من نعم الله سبحانه عليه، وكان ذلك كله مظنة لتعجب المرتاب وتوقف الشاك ومثيرا لتحرك ساكن الحسد من العدو العظيم ما منحه عليه السلام، قال تعالى:
أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس إلى قوله:
[ ص: 65 ] لسحر مبين ثم قال:
إن ربكم الله - الآيات، فبين انفراده تعالى بالربوبية والخلق والاختراع والتدبير، فكيف تعترض أفعاله أو يطلع البشر على وجه الحكمة في كل ما يفعله ويبديه، وإذا كان الكل ملكه وخلقه فيفعل في ملكه ما يشاء ويحكم في خلقه بما يريد.
ذلكم الله ربكم فاعبدوه ما خلق الله ذلك إلا بالحق ثم توعد سبحانه الغافلين عن التفكر في عظيم آياته حتى أدتهم الغفلة إلى مرتكب سلفهم في العجب والإنكار حتى قالوا:
مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وقالوا:
لولا أنـزل علينا الملائكة أو نرى ربنا وهذه مقالات الأمم المتقدمة
قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم فقال تعالى متوعدا للغافلين:
إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا ثم وعد المعتبرين فقال:
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم الآيات، وكل هذا بين الالتحام جليل الالتئام، تناسجت آي السور - انتهى.