ولما أشير بالآية إلى انقراض الدنيا بأن الحادث لا ثبات له، وقام
الدليل القطعي على المعاد، ناسب تعقيبها بعيب من اطمأن إليها في سياق مبين أن سبب الطمأنينة إنكار الطمأنينة اعتقادا أو حالا; ولما كان ختم تلك ب:
يتقون لاح أن ثم من يتقي ومن لا يتقي; ولما كان المغرور أكثر بدأ به تنفيرا عن حاله، لأن
درء المفاسد أولى من جلب المصالح ، فقال مؤكدا لأجل إنكارهم:
إن الذين ولما كان الخوف والرجاء معدن السعادة، وكان الرجاء أقرب إلى الحث على الإقبال، قال مصرحا بالرجاء ملوحا إلى الخوف:
لا يرجون لقاءنا بالبعث بعد الموت ولا يخافون ما لنا من العظمة
ورضوا أي عوضا
[ ص: 78 ] عن الآخرة
بالحياة الدنيا [أي] فعملوا لها عمل المقيم فيها مع ما اشتملت عليه مما يدل على حقارتها
واطمأنوا إليها مع الرضى
بها طمأنينة من لا يزعج عنها مع ما يشاهدونه مع سرعة زوالها
والذين هم أي خاصة
عن آياتنا أي على ما لها من العظمة لا عن غيرها من الأحوال الدنية الفانية
غافلون أي غريقون في الغفلة.
وتضمن قوله تعالى استئنافا:
أولئك أي البعداء البغضاء
مأواهم النار بما أي بسبب ما
كانوا أي: جبلة وطبعا
يكسبون فإن كسبهم كله ضلال - أنه لا يعاجلهم بالعقاب على تأخير المتاب، وجعلت ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا الله ملاقاة الله تفخيما لشأنها كما جعل إتيان جلائل آيات الله في قوله:
إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ونحوه، والاطمئنان: الركون إلى الشيء على تمكن فيه، فهؤلاء مكنوا الأحوال للدنيا فصار فرحهم وسخطهم لها; والغفلة: ذهاب المعنى عن القلب بما يضاد حضوره إياه، واليقظة نقيضها.