ولما تقدم أن
من قضي بشقاوته لا يتأتى إيمانه بآية من الآيات حتى تنزل [به] سطوته وتذيقه بأسه ونقمته. وكان القرآن أعظم آية أنزلت إلى الناس لما لا يخفى. أتبع ذلك عطفا على قوله:
قال الكافرون إن هذا لساحر مبين بقوله بيانا لذلك:
وإذا تتلى بناه للمفعول إيذانا بتكذيبهم عند تلاوة أي تال كان. وأبداه مضارعا
[ ص: 87 ] إشارة إلى أنهم يقولون ذلك ولو تكررت التلاوة
عليهم أي على هؤلاء الناس
آياتنا أي على ما لها من العظمة بإسنادها إلينا
بينات فإنه مع ما اشتمل عليه مما لزمهم به الإقرار بحقيقته قالوا فيه ما لا معنى له إلا التلاعب والعناد، ويجوز عطفه على
ثم جعلناكم خلائف - الآية - والالتفات إلى مقام الغيبة للإيذان بأنهم للإعراض لإساءتهم الخلافة، والموصول بصلته في قوله:
قال الذين لا يرجون لقاءنا في موضع الضمير تنبيها على أن هذا الوصف علة قولهم، ولعله عبر بالرجاء ترغيبا لهم لأن الرجاء محط أمرهم في طلب تعجيله للخير ودفعه للضمير. فكان من حقهم أن يرجوا لقاءه تعالى رغبة في مثل ما أعده لمن أجابه، ولوح إلى الخوف بنون العظمة ليكون ذلك أدعى لهم إلى الإقبال
ائت أي من عندك
بقرآن أي كلام مجموع جامع لما تريد
غير هذا في نظمه ومعناه
أو بدله أي بألفاظ أخرى والمعاني باقية، وقد كانوا عالمين بأنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في العجز عن ذلك ولكنهم قصدوا أنه يأخذ في التعبير حرصا على إجابة مطلوبهم فيبطل مدعاه أو يهلك.
ولما كان كأنه قيل: فماذا أقول لهم؟ قال:
قل ما يكون أي: يصح ويتصور بوجه من الوجوه
لي ولما كان التبديل يعم القسمين الماضيين قال:
أن أبدله وقال:
من تلقاء أي عند وقبل
[ ص: 88 ] نفسي إشارة إلى الرد عليهم في إنكار تبديل الذي أنزله بالنسخ بحسب المصالح كما أنزل أصله لمصلحة العباد مع نسخ الشرائع الماضية به، فأنتج ذلك قطعا قوله:
إن أتبع أي بغاية جهدي
إلا ما ولما كان قد علم أن الموحي إليه الله قال:
يوحى إلي [أي] سواء كان بدلا أو أصلا; ثم علل ذلك بقوله مؤكدا لإنكارهم مضمونه:
إني أخاف أي على سبيل التجدد والاستمرار
إن عصيت ربي أي المحسن إلي والموجد لي والمربي والمدبر بفعل غير ما شرع لي
عذاب يوم عظيم فإني مؤمن به غير مكذب ولا شاك كغيري ممن يتكلم من الهذيان بما لا يخاف عاقبته في ذلك اليوم، وإذا خفته - مع استحضار صفة الإحسان - هذا الخوف فكيف يكون خوفي مع استحضار صفة الجلال.