ولما ختمت بعموم سمعه وعلمه بعد قصر العزة عليه، كان كأنه قيل:
إن العزة لا تتم إلا بالقدرة فأثبت اختصاصه بالملك الذي لا \ يكون إلا بها، فقال مؤكدا لما يستلزمه إشراكهم من الإنكار لمضمون هذا الكلام:
ألا إن لله أي الذي له الإحاطة الكاملة; ولما كان بعض الناس قد أشركوا ببعض النجوم، جمع فقال معبرا بأداة العقلاء تصريحا بما أفهمه التعبير سابقا بأداة غيرهم:
من في السماوات أي: كلها، وابتدأ بها لأن ملكها يدل على ملك الأرض بطريق الأولى، ثم صرح بها في قوله مؤكدا لما تقدم:
ومن في الأرض أي: كلهم
[ ص: 157 ] عبيده ملوكهم ومن دونهم، نافذ فيهم تصريفه، منقادون لما يريده، وهو أيضا تعليل ثان لقوله:
ولا يحزنك قولهم أو للتفرد بالعزة، وعبر ب: "من" التي للعقلاء والمراد كل ما في الكون؛ لأن السياق لنفي العزة عن غيره، والعقلاء بها أجدر، فنفيها عنهم نفي عن غيرهم بطريق الأولى، ثم غلبوا لشرفهم على غيرهم، ولذا تطلق "ما" التي هي لغيرهم في سياق هو بها أحق ثم يراد بها العموم تغليبا للأكثر الذي لا يعقل على الأقل; ثم نفى أن يكون له في ذلك شريك بقوله عاطفا على ما تقديره: فما له شريك مما ادعاه المشركون منهما أو من إحداهما:
وما يتبع أي: بغاية الجهد
الذين يدعون أي: على سبيل العبادة
من دون الله أي الذي له العظمة كلها
شركاء على الحقيقة; ويجوز أن تكون "ما" موصولة تحقيرا للشركاء بالتعبير بأداة ما لا يعقل ومعطوفة على "من"
إن أي: ما
يتبعون في ذلك الذي هو أصل أصول الدين يجب فيه القطع وهو دعاؤهم له شركاء
إلا الظن أي المخطئ على أنه لو كان صوابا كانوا مخطئين فيه حيث قنعوا في الأصل بالظن، ثم نبه على الخطأ بقوله:
وإن أي: وما
هم إلا يخرصون أي: يحزرون ذلك ويقولون ما لا حقيقة له أصلا; والاتباع: طلب اللحاق بالأول على تصرف الحال، فهؤلاء اتبعوا الداعي إلى عبادة الوثن وتصرفوا معه
[ ص: 158 ] فيما دعا إليه، [و] ظنهم في عبادتها إنما هو بشبيهة ضعيفة كقصد زيادة التعظيم لله وتعظيم تقليد الأسلاف، ويجوز أن يكون " شركاء " مفعولا تنازعه " يتبع " و " يدعون " .