ثم سبب عن ذلك قوله:
فإن توليتم أي: كلفتم أنفسكم الإعراض عن الحق بعد عجزكم عن إهلاكي ولم ينفعكم علمكم بأن الذي منعني - وأنا وحدي - منكم وأنتم ملء الأرض له العزة جميعا، وأن من أوليائه الذين تقدم وعده الصادق بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
فما أي: فلم يكن توليكم عن تفريط مني لأني سقت الأمر على ما يحب، ما
سألتكم أي: ساعة من الدهر، وأغرق في النفي فقال:
من أجر أي: على دعائي لكم يفوتني بتوليكم ولا تتهموني به في دعائكم.
ولما كان من المحال أن يفعل عاقل شيئا لا لغرض بين غرضه بقوله مستأنفا:
إن أي: ما
أجري إلا على الله أي الذي له صفات الكمال; ثم عطف عليه غرضا آخر وهو اتباع الأمر خوفا من حصول
[ ص: 165 ] الضر فقال:
وأمرت أي: من الملك الأعلى الذي لا أمر لغيره، وبناه للمفعول للعلم بأنه هو الآمر [وليزيد في الترغيب في المأمور به وتغطية بجعله عمدة الكلام بإقامته مقام الفاعل فقال]
أن أكون أي: كونا أتخلق به فلا أنفك عنه; [ولما كان في مقام الاعتذار عن مفاجأته لهم بالإنذار، عبر بالإسلام الذي هو الأفعال الظاهرة فقال]:
من المسلمين أي الراسخين في صفة الانقياد بغاية الإخلاص، لي ما لهم وعلي ما عليهم، أنا وهم في الإسلام سواء، لا مرية لي فيه أتهم بها، أن أستسلم لكل ما يصيبني في الله، لا يردني ذلك عن إنفاذ أمره، والحاصل أنه لم يكن بدعائه إياهم في موضع تهمة، لا سألهم غرضا دنيويا يزيده إن أقبلوا ولا ينقصه \ إن أدبروا، ولا أتى بشيء من عند نفسه ليظن أنه أخطأ فيه ولا سلك به مسلكا يظن به استعباده إياهم في اتباعه، بل أعلمهم بأنه أول مؤتمر بما أمرهم به مستسلم لما دعاهم إليه ولكل ما يصيبه في الله.