ثم أكده - بدل شماتة الأعداء [به] الذين كانوا عنده أقل شيء وأحقره - بقوله مسببا عما تضمنه ذلك الإنكار من الإذلال بالإهلاك إشارة إلى أن الماء أحاط به وصار يرتفع قليلا [قليلا] حتى امتد زمن التوبيخ:
فاليوم ننجيك أي: تنجية عظيمة.
[ ص: 186 ] ولما كان ذلك سارا وكانت المساءة بما يفهم السرور إنكاء، قال دالا على أن ذلك يعد نزع روحه:
ببدنك أي: من غير روح وهو كامل لم ينقص منه شيء حتى لا يدخل في معرفتك لبس
لتكون أي: كونا هو في غاية الثبات
لمن خلفك أي: يتأخر عنك في الحياة من بني إسرائيل وغيرهم
آية في أنك [عبد] ضعيف حقير، لست برب فضلا عن أن تكون أعلى ويعرفوا أن من عصى الملك أخذ وإن كان أقوى الناس وأكثرهم جنودا، وقد ادعى بعض الملحدين إيمانه بهذه الآية إرادة لما يعيذ الله منه من حل العقد الواجب من أن فرعون من أكفر الكفرة بإجماع أهل الملل ليهون للناس
الاجتراء على المعاصي، وادعى أنه لا نص في القرآن على أنه من أهل النار وضل عن الصرائح التي في القرآن في ذلك في غير موضع وعن أن قوله تعالى:
وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين مع قوله تعالى:
وأن المسرفين هم أصحاب النار قياس قطعي الدلالة بديهي النص على أنه من أهل النار، والآية - كما ترى - دليل على قوله:
قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا - الآية. لو كان فرعون مثل
قريش ، فكيف ولا نسبة لهم منه في شدة الاستكبار التابعة لكثرة الجموع ونفوذ
[ ص: 187 ] الكلمة بضخامة الملك وعز السلطان والقوة بالأموال والأعوان، وقد روي أن
جبريل عليه السلام كان أتاه بفتيا في عبد نشأ في نعمة سيده فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه، فكتب فرعون جزاء العبد الخارج عن طاعة سيده الكافر نعماءه أن يغرق في البحر، فلما ألجمه الغرق ناوله
جبريل عليه السلام خطه فعرفه.
ولما لم يعمل فرعون وآله بمقتضى ما رأوا من الآيات، كان حكمهم حكم الغافلين عنها، فكان التقدير: [و] لقد غفلوا عما جاءهم من الآيات
وإن كثيرا أكده لأن مثله ينبغي - لبعده عن الصواب - أن لا يصدق أن أحدا يقع فيه
من الناس أي: وهم من لم يصل إلى حد أول أسنان أهل الإيمان لما عندهم من النوس - وهو الاضطراب - والأنس بأنفسهم
عن آياتنا أي: على ما لها من العظمة
لغافلون والإصلاح: تقويم العمل على ما ينفع بدلا مما يضر; وإحقاق الحق: إظهاره وتمكينه بالدلائل الواضحة حتى يرجع الطاعن عنه حسيرا والمناصب له مفلولا; والإسراف: الإبعاد في مجاوزة الحق; والفتنة: البلية، وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة; والنجاة: الخلاص مما فيه المخافة، ونظيرها السلامة، وعلقوا النجاة بالرحمة لأنها إنعام على المحتاج بما تطلع إليه نفوس العباد، فهو على أوكد ما يكون
[ ص: 188 ] من الدعاء إلى الصلاح; والوحي: إلقاء المعنى إلى النفس في خفاء، والإيحاء والإيماء والإشارة نظائر، ولا يجوز أن تطلق الصفة بالوحي إلا لنبي; وتبوأ: اتخذ، وأصله الرجوع، فالمتبوأ: المنزل، لأنه يرجع إليه للمقام فيه: والطمس: محو الأثر فهو تغير إلى الدثور والدروس; والإجابة: موافقة الدعوة فيما طلب بها لوقوعها على تلك الصفة; والدعوة: طلب الفعل بصيغة الأمر، وقد تكون بالماضي; والمجاوزة: الخروج عن الحد من إحدى الجهات; والبحر: مستقر الماء الواسع بحيث لا يدرك طرفيه من كان في وسطه، وهو مأخوذ من الاتساع; والاتباع: اللحاق بالأول; والبغي: طلب الاستعلاء بغير حق; والآن: فصل الزمانين الماضي والمستقبل، ومع أنه إشارة إلى الحاضر، ولهذا بني كما بني "ذا"; \ والبدن: مسكن روح الحيوان على صورته.