ولما كان الكافرون قد كذبوا على الله بما أحدثوه من الدين من غير دليل وما نسبوا إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الافتراء، أتبع ذلك سبحانه قوله:
ومن أظلم أي: لا أحد أظلم
ممن افترى أي: تعمد أن اختلق متكبرا
على الله أي الملك الأعظم
كذبا الآية. وهو موضع ضمير لو أتى به لقيل: لا يؤمنون ظلما منهم، ومن أظلم منهم أي هم أظلم الظالمين، فأتى بهذا الظاهر بيانا لما كفروا به؛ لأنه إذا علق الحكم بالوصف دل على أنه علته.
ولما بين أنهم أظلم، أتبعه جزاءهم بقوله استئنافا:
أولئك المستحقو البعد; ولما كان نفس العرض مخوفا، بنى للمجهول قوله:
[ ص: 255 ] يعرضون [أي] لذلك ولدلالة على أنهم على صفة الهوان ومستسلمون لكل عارض، فعرضهم في غاية السهولة
على ربهم أي الذي أحسن إليهم فلم يشكروه، العالم بالخفايا فيفتضحون بين يديه بما قابلوا به إحسانه من اللوم
ويقول [على سبيل التكرار]
الأشهاد وهم الذين آمنوا بالكتب الشاهد بعضها لبعض المشار إليه بقوله:
ويتلوه شاهد منه والملائكة الذين \ شهدوا أعمالهم ومن أعضائهم حين يختم على أفواههم
هؤلاء إشارة بأداة القرب إلى تحقيرهم
الذين كذبوا متكبرين
على ربهم في ادعاء الشريك والولد والتحليل والتحريم وغير ذلك [بما عراهم من إحسانه وطول حلمه]، وفي الإتيان بصفة الربوبية غاية التشنيع عليهم، فتكررت بهذا القول فضيحتهم عند جنسهم وبعدهم عن كل من سمع هذا الكلام؛ لأنه لا أبعد عن القلوب من الكاذب فكيف بالمجترئ بالكذب على الرؤساء فكيف بملك الملوك الذي رباهم وكل من أهل الموقف مرتقب بره خائف من انتقامه، وكأنه قيل: فما لهم بعد هذا العذاب العظيم بهذه الفضيحة؟ فقيل:
ألا لعنة الله وهي طرد الملك الأعظم وإبعاده، وانظر إلى تهويل الأمر باسم الذات ما أشده
على الظالمين فكيف بأظلم الظالمين،