[ ص: 257 ] ولما هددهم بأمور الآخرة، أشار إلى بيان قدرته على ذلك في الدارين بقوله:
أولئك أي البعداء عن حضرة الرحمة
لم يكونوا أي: بوجه من الوجوه
معجزين وأشار إلى عجزهم بأنهم لا يقدرون على بلوغ العالم العلوي بقوله:
في الأرض أي: ما كان الإعجاز - وهو الامتناع من مراد الله - لهم ولا هو في قدرتهم، لأن قدره على جميع الممكنات على حد سواء.
ولما نفى التعذر بأنفسهم، نفاه من جهة غيرهم فقال:
وما كان لهم ولما كانت الرتب التي [هي] دون عظمته سبحانه متكاثرة جدا، بين أنهم معزولون عن كل منها بإثبات الجار فقال:
من دون الله أي الملك الأعظم، وأغرق في النفي بقوله:
من أولياء أي: يفعلون معهم ما يفعل القريب من تولي المصالح والحماية من المصائب، ومن لم يقدر على الامتناع وهو حي لم يمتنع بعد موته فكأنه قيل: ماذا يفعل بهم؟ فقيل:
يضاعف أي: يفعل فيه فعل من يناظر آخر في الزيادة، وبناه للمفعول لأن المرجع وجود المضاعفة مطلقا
لهم العذاب [أي] بما كانوا يضاعفون المعاصي; ثم علل سبب المضاعفة بأنه خلق لهم سمعا وبصرا فضيعوهما بتصامهم عن الحق وتعاميهم عنه، فكأن لا فرق بينهم وبين فاقدهما فقال:
ما كانوا أي: بما لهم من فساد الجبلات
[ ص: 258 ] يستطيعون السمع أي: يقدرون لما غلب على فطرهم الأولى السليمة بانقيادهم للهوى من التخلق \ بنقائص الشهوات على أن توجد طاعته لهم فما كانوا يسمعون
وما كانوا يستطيعون الإبصار فما كانوا
يبصرون حتى يعرضوا عن الشهوات فتوجد استطاعتهم للسمع [والإبصار]، وهو كناية عن عدم قبولهم للحق وأن شدة إعراضهم عنه وصلت إلى حد صارت فيه توصف بعدم الاستطاعة كما يقول الإنسان لما تشتد كراهته له: هذا مما لا أستطيع أن أسمعه، وتكون المضاعفة بالكفر والصد، ونفي الاستطاعة أعرق في العيب وأدل على النقص وأنكأ من نفي السمع لأنهم قد يحملونه على الإجابة، وأما نفي البصر فغير منفك عن النقص سواء كان للعين أو للقلب، هذا إن لم تخرج الآية على الاحتباك، وإن خرجت عليه استوى الأمران، وصار نفي الاستطاعة أولا دالا على نفيها ثانيا، ونفي الإبصار يدل على نفي السمع أولا.