ولما كان الحال حال دهش واختلال كان السامع جديرا بأن لا يصبر بل يبادر إلى السؤال فيقول: فما قال؟ فقيل:
قال قول من ليس له عقل تبعا لمراد الله
سآوي إلى جبل يعصمني أي: بعلوه
من الماء أي: فلا أغرق
قال أي: نوح عليه السلام
لا عاصم أي: لا مانع من جبل ولا غيره موجود
اليوم أي: لأحد
من أمر الله أي الملك الأعظم المحيط أمره وقدرته وعلمه، وهو حكمه بالغرق على كل ذي روح [لا يعيش في الماء]
إلا من رحم أي: إلا مكان من رحمة الله فإنه مانع من ذلك وهو السفينة، أو لكن من رحمه الله فإن الله يعصمه.
ولما ركب
نوح ومن أمره الله به وأراده. ولم تبق حاجة في تدرج ارتفاع الماء، فعلا وطما وغلب وعتا فهال الأمر وزاد على الحد والقدر، [قال تعالى عاطفا على ما تقديره: فلم يسمع ابنه ذلك
[ ص: 290 ] منه بل عصى أباه كما عصى الله فأوى إلى الجبل الذي أراده فعلا الماء عليه ولم يمكنه بعد ذلك اللحاق بأبيه ولا الوصول إليه]:
وحال بينهما أي: بين الابن والجبل أو بينه وبين أبيه
الموج المذكور في قوله:
في موج كالجبال فكان أي [الابن] بأهون أمر
من المغرقين وهم كل من لم يركب مع
نوح عليه السلام من جميع أهل الأرض]; قال
أبو حيان : قيل: كانا يتراجعان الكلام فما استتمت لمراجعة حتى جاءت موجة عظيمة وكان راكبا على فرس قد بطر وأعجب بنفسه فالتقمته وفرسه وحيل بينه وبين
نوح عليه السلام فغرق - انتهى.
والركوب: العلو على ظهر الشيء، ركب الدابة والسفينة والبر والبحر; والجري: مر سريع; يقال: هذه العلة تجري في أحكامها، أي تمر من غير مانع، والموج جمع موجة - لقطعة عظيمة من الماء الكثير ترتفع عن حملته، وأعظم ما يكون ذلك إذا اشتدت الريح; والجبل: جسم عظيم الغلظ شاخص من الأرض هو لها كالوتد; والعصمة: المنع من الآفة