ولما قالوا هذا الكلام البين الفساد من غير تعرض لنقض ما قال لهم بنوع شبهة، كان كأنه قيل لهم: هذا الذي قلته لكم وهو لا أبين منه ولا أعدل، افرضوا أنه ما ظهر لكم صحته فما تقولون إنه حملني عليه مع أن فيه منابذتكم وأنتم أولاد عمي وأعز الناس علي؟ فقالوا:
إن نقول إلا اعتراك أي: أصابك وغشيك غشيانا التصق بك التصاق العروة بما هي فيه مع التعمد والقوة
بعض آلهتنا بسوء من نحو الجنون والخبال فذاك الحامل لك على النهي عن عبادتها.
[ ص: 310 ] ولما كان الطبع البشري قاضيا بأن الإنسان يخشى ممن مسه بسوء وهو يتوهم أنه قادر على ضرره فلا يواجهه بما يكره، [وكان قولهم محركا للسامع إلى الاستعلام عن جوابه لهم، استأنف سبحانه الإخبار عنه بقوله]:
قال نافيا لما قالوا مبينا أن آلهتهم لا شيء ضاما لهم معها، وأكد لأنهم بحيث لا يظنون أن أحدا [لا] يقول ما قاله
إني أشهد الله أي الملك الأعظم ليقوم عذري عنده [وعدل أدبا مع الله عن أن يقول: وأشهدكم - لئلا يتوهم تسوية - إلى صيغة الأمر تهاونا بهم فقال]:
واشهدوا [أي] أنتم لتقوم الحجة عليكم لأيكم ويبين عجزكم ويعرف كل أحد أنكم بحيث يتهاون بكم وبدينكم ولا يبالي بكم ولا به
إني بريء مما تشركون وبين سفولها بقوله:
من دونه كائنا ما كان ومن كان، فكيف إذا لم يكن إلا جمادا