ولما ختم الآية بتهديدهم بما بين أن تهديدهم له عدم لا يبالي به، أتبعه ما يصدقه من أنه ليس بتارك شيئا من عمله مما جبلوا به، وزاد في التهديد فقال:
ويا قوم اعملوا أي: أوقعوا العمل لكل ما تريدون قارين مستعلين
على مكانتكم أي: حالكم الذي تتمكنون به من العمل
إني عامل على ما صار لي مكانة، أي حالا أتمكن به من العمل لا أنفك عنه ما أنا عامل من تحذيري لمن كفر وتبشيري لمن آمن وقيامي بكل ما أوجب علي الملك غير هائب لكم ولا خائف منكم ولا طامع في مؤالفتكم ولا معتمد على سواه.
ولما كانت ملازمتهم لأعمالهم سببا لوقوع العذاب المتوعد به [و] وقوعه سببا للعلم بمن يخزي لمن يعلم أي هذين الأمرين يراد، ذكره بعد هذا التهديد فحسن حذف الفاء من قوله:
سوف تعلمون أي: بوعد لا خلف فيه وإن تأخر زمانه، وسوقه مساق الجواب لمن كأنه قال: ما المراد بهذا الأمر بالعمل المبالغ قبل في النهي عنه؟ وقد تقدم في قصة
نوح عليه السلام ما يوضحه. وأحسن منه أنهم لما قالوا
ما نفقه كثيرا مما تقول كذبهم - في إخراج الكلام على تقدير سؤال من هو منصب الفكر كله إلى كلامه - قائل: ماذا يكون إذا عملنا وعملت؟ فهذا وصل خفي مشير إلى تقدير السؤال ولو ذكر الفاء لكان
[ ص: 366 ] وصلا ظاهرا، [وقد ظهر الفرق بين كلام الله العالم بالأسباب وما يتصل بها من المسببات المأمور بها أشرف خلقه صلى الله عليه وسلم في سورة الأنعام والزمر والكلام المحكي عن نبيه شعيب عليه السلام في هذه السورة]
من أي: أينا أو الذي
يأتيه عذاب يخزيه ولما كان من مضمون قولهم
ما نفقه كثيرا مما تقول النسبة إلى الكذب لأنه التكلم بما ليس له نسبة في الواقع تطابقه، قال:
ومن هو كاذب أي: مني ومنكم، فالتقدير: إن كانت "من" موصولة: ستعلمون المخزى بالعذاب والكذب أنا وأنتم، وإن كانت استفهامية: أينا يأتيه عذاب يخزيه وأينا هو كاذب، فالزموا مكانتكم لا تتقدموا عنها
وارتقبوا أي انتظروا ما يكون من عواقبها.
ولما كانوا يكذبونه وينكرون قوله أكد فقال:
إني معكم رقيب لمثل ذلك، وإنما قدرت هذا المعطوف عليه لفصل الكلام [في قوله: " سوف " ويجوز عطفه على " اعملوا " وجرد ولم يقل: مرتقب، إشارة إلى أن همه الاجتهاد في العمل بما أمره الله لأنه مبالغ في ارتقاب عاقبته معهم استهانة بهم.