ولما عظم في شأن القبلة انتشار أقوالهم في تنويع شغبهم وجدالهم وكانوا أهل علم وكتاب ، وقد مرت لهم دهور وهو موسومون بأنهم على صواب ، فاشرأب لذلك النفاق ، ودارت رحى الباطل والشقاق ، وقامت سوق الفسوق فيما هنالك على ساق ، كان الحال مقتضيا لمزيد تأكيد لأمرها تعظيما لشأنها وتوهية لشبه السفهاء فقال تعالى ثانيا معبرا بعبارة مشعرة بإمامته صلى الله عليه وسلم وانتظار المصلين له ،
ومن حيث خرجت أي : للصلاة المفروضة باتباعك من هذه الجهة التي أنت بها الآن
بالمدينة الشريفة التي هي شمال
الكعبة المشرفة أو من غيرها من الجهات من الشرق والغرب والجنوب
فول وجهك شطر أي : عين
المسجد الحرام وأما قلبك فهو إلى الله .
ولما كان التقدير فإنك مأمور بذلك لئلا يظن أن ذلك إنما
[ ص: 233 ] عمل لتطلعه صلى الله عليه وسلم إليه وهو فيه بالخيار فيظن أن الرجوع إلى القبلة الأولى مصلحة لما انتشر في ذلك من الكلام الذي نفذ في القلوب نفوذ السهام عطف عليه قوله :
وإنه للحق من ربك مؤكدا له بأنواع التأكيد مضيفا له إلى صفة الإحسان بإحسان التربية والنظر في أدبار الأمور وأحكامها .
ولما كان التقدير : وإن ربك عالم بما قالوا من الشبه التي دارت بين الناس وخيفت عاقبتها عطف عليه ما هو أعم منه فقال :
وما الله أي : الذي له الإحاطة الكاملة
بغافل عما أي : عن شيء مما " يعملون " أي : السفهاء من اليهود وغيرهم في مستقبل الزمان فيوهيه ويبطل أذاه ويرميه ويبعده ويقصيه ، وعلى قراءة الخطاب أنتم في هذا الوقف وبعده فيغلبه ويثبته ويبقيه إن كان خالصا لوجهه وإلا جعله هباء منثورا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : ومن التفت بقلبه في صلاته إلى غير ربه لم تنفعه وجهة وجه بدنه إلى الكعبة ، لأن ذلك حكم حق حقيقته توجه القلب ومن التفت بقلبه إلى شيء من الخلق
[ ص: 234 ] في صلاته فهو مثل الذي استدبر بوجهه عن شطر قبلته ، فكما يتداعى الإجزاء الفقهي باستدبار الكعبة حسا فكذلك يتداعى القبول باستدبار وجه القلب عن الرب غيبا ، فلذلك أقبل هذا الخطاب على الذين آمنوا والذين أسلموا ، لأنه هو صلى الله عليه وسلم مبرأ عن مثله . انتهى .