ولما كان العقل أعظم الأدلة، وتقدم أنه مقصور على المتذكرين، إشارة إلى أن من عداهم بقر سارحة، وعرف أن ما دعا إليه الشرع
[ ص: 335 ] هو الصلاح، وضده هو الفساد، وكان العقل إنما هو لمعرفة الصلاح فيتبع، والفساد فيجتنب، وكان الطالب لإنزال آية إلى غير ذلك لا سيما بعد آيات متكاثرة ودلالات ظاهرة موضعا لأن يعجب منه، قال على سبيل التعجب عطفا على قوله
وفرحوا مظهرا لما من شأنه الإضمار تنبيها على الوصف الذي أوجب لهم التعنت:
ويقول الذين كفروا أي ستروا ما دعتهم إليه عقولهم من الخير وما لله من الآيات عنادا
لولا أي هلا ولم لا.
ولما كان ما تحقق أنه من عند الملك لا يحتاج إلى السؤال عن الآتي به، بني للمفعول قوله:
أنـزل عليه أي هذا الرسول صلى الله عليه وسلم
آية أي علامة بينة
من ربه أي المحسن إليه بالإجابة لما يسأله لنهتدي بها فنؤمن به، وأمره بالجواب عن ذلك بقوله:
قل أي لهؤلاء المعاندين: ما أشد عنادكم حيث قلتم هذا القول الذي تضمن إنكاركم لأن يكون نزل إلي آية مع أنه لم يؤت أحد من الآيات مثل ما أوتيت، فعلم قطعا أنه ليس إنزال الآيات سببا لليمان بل أمره إلى الله
إن الله أي الذي لا أمر لأحد معه
يضل من يشاء إضلاله ممن لم ينب، بل أعرض عن دلالة العقل ونقض ما أحكمه
[ ص: 336 ] من ميثاق المقدمات المنتجة للقطع بحقية ما دعت إليه الرسل لما جبل عليه قلبه من الغلظة، فصار بحيث لا يؤمن ولو نزلت عليه كل آية، لأنها كلها متساوية الأقدام في الدعوة إلى ما دعا إليه العقل لمن له عقل، وقد نزل قبل هذا آيات متكاثرة دلالات أعظم دلالة على المراد
ويهدي عند دعاء الداعين
إليه أي طاعته. بمجرد دليل العقل من غير طلب آية
من أناب أي من كان قلبه ميالا مع الأدلة رجاعا إليها لأنه شاء إنابته
nindex.php?page=showalam&ids=1كأبي بكر الصديق وغيره ممن تبعه من العشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم،