ولما كان من حث على شيء وأثاب عليه أو [نهى] عنه وعاقب على فعله يكون لغرض [له]، بين أن
الله سبحانه [متعال] عن أن يلحقه ضر أو نفع ، وأن ضر ذلك ونفعه [خاص بالعبد] فقال تعالى حاكيا عنه:
وقال موسى مرهبا لهم معلما أن
وبال الكفران خاص بصاحبه
إن تكفروا والكفر: تضييع حق النعمة بجحدها أو ما يقوم في العظم مقامه
أنتم ومن في الأرض وأكد بقوله: "جميعا" فضرره لاحق بكم خاصة غير عائد على الله شيء منه
فإن الله أي الملك الأعظم
لغني أي في ذاته وصفاته عن كل أحد، والغنى هنا المختص بما ينفي لحاق الضرر أو النقص، والمختص بأنه قادر لا يعجزه شيء، عالم لا يخفى عليه شيء، وذلك بنفسه [لا بشيء] سواه، ومن لم يكن كذلك لم يكن غنيا
حميد أي بليغ الاستحقاق للحمد بما له من عظيم النعم وبما له من صفات الكمال، وكل مخلوق يحمده بذاته وأفعاله وجميع أقواله كائنة ما كانت، لأن إيجاده لها ناطق
[ ص: 386 ] بحمده سبحانه.
ذكر التأذن بذلك المذكر به من التوراة:
قال في السفر الخامس: واختاركم الله ربكم أن تكونوا له شعبا حبيبا من جميع الشعوب [التي على وجه الأرض، وليس لأنكم أكثر من جميع الشعوب] أحبكم الرب واختاركم، ولكن ليثبت الأيمان التي أقسم لآبائكم، لذلك أخرجكم الرب بيد منيعة، وأنقذكم من العبودية، وخلصكم من يدي فرعون ملك مصر، لتعلموا أن الله ربكم هو إله الحق، إله مهيمن يحفظ النعمة والعهد لأوليائه الذين يحفظون وصيته لألف حقب، ويكافئ شنأته في حياتهم ويجزيهم بالهلاك والتلف، احفظوا السنن والأحكام والوصايا التي آمركم بها اليوم فافعلوها يحفظ الله الرب العهد والنعمة التي أقسم لآبائكم، ويحبكم ويبارك عليكم ويكثركم، ويبارك في أولادكم وفي ثمرة أرضكم وفي بركم وخبزكم وزيتكم، وفي أقطاع بقركم وجفرات غنمكم، وتكونوا
[ ص: 387 ] مباركين من جميع الشعوب، ولا يكون فيكم عاقر ولا عقيم و[لا] في بهائمكم، ويصرف الله عنكم كل وجع، وجميع الضربات التي أنزل الله بأهل
مصر - كما تعلمون - لا ينزلها [بكم] بل ينزلها بجميع شنأتكم، وتأكلون جميع خيرات الشعوب التي يعطيكم الله ربكم، ولا تشفق أعينكم عليهم، ولا تعبدوا آلهتهم لأنهم فخاخ لكم، وإن قلتم في قلوبكم: إن هذه الشعوب أكثر منا فكيف نقدر أن نهلكها! فلا تفرقوا منها ولكن اذكروا جميع ما صنع الله ربكم بفرعون ملك مصر وكل أصحابه، والبلايا العظيمة التي رأيتم بأعينكم، والآيات والأعاجيب واليد المنيعة والذراع العظيمة، وكيف أخرجكم [الله] ربكم! كذلك يفعل الله ربكم بجميع الشعوب التي تخافونها.
ويسلط الله ربكم عليهم عاهات حتى يهلكهم، والذين يبقون ويختفون منكم لا تخافوهم لأن الله ربكم بينكم. الإله العظيم المرهوب، فيهلك الله ربكم هذه الشعوب من بين أيديكم رويدا رويدا، لأنكم لا تقوون [أن تهلكوهم] سريعا لئلا يكثر السباع، ولكن
[ ص: 388 ] يدفعهم الله ربكم إليكم وتضربونهم ضربة شديدة حتى تهلكوهم، ويدفع ملوكهم في أيديكم وتهلكون أسماءهم من تحت السماء، لا يقدر أحد أن يقوم بين أيديكم حتى تهلكوهم وتحرقوا آلهتهم المنحوتة بالنار، ولا تشتهوا الفضة والذهب الذي عليها وتأخذوه منها لئلا تتنجسوا بها، لأنها مرذولة عند الله ربكم، فلا تدخلوا نجاسة إلى بيوتكم لئلا تكونوا منفيين مثلها، ولكن أرذلوها ونجسوها وصيروها نفاية بخسة لأنها حرام. ثم [قال]: انظروا!إني أتلو عليكم دعاء ولعنا، أما الدعاء فتصيرون إليه إن أنتم حفظتم وصايا [الله] ربكم، وأما اللعن فيدرككم إن أنتم لم تسمعوا وصايا الله ربكم، وزغتم عن الطريق الذي أمركم به اليوم - وقد مضى كثير من أمثال هذا عن التوراة، ولا ريب في أن هذا الترغيب والترهيب والتذكير للتحذير كما أنه كان لبني إسرائيل، فهو لكل من سمعه من المكلفين.