ولما أخبر سبحانه وتعالى بفائدة العفو أخبر بفائدة مقابله تتميما لتأنيب أهل الكتاب على عدولهم عن النص وعماهم عن الحكمة
[ ص: 30 ] فقال:
ولكم أي يا أيها الذين آمنوا
في القصاص أي هذا الجنس وهو قتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة من غير مجاوزة ولا عدوان
حياة أي عظيمة بديعة لأن من علم أنه يقتل لا يقتل.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : فالحياة لمن سوى الجاني من عشيرته ممن كان يعتدى عليه بجناية غيره في الدنيا، والحياة للجاني بما اقتص منه في الأخرى، لأن من يكفر ذنبه حيي في الآخرة، ومن بقي عليه جناية فأخذ بها فهو في حال ذلك ممن لا يموت فيها ولا يحيى، لأن المعاقب في حال عقوبته لا يجد طعم الحياة لغلبة ألمه ولا هو في الموت لإحساسه بعقوبته - انتهى.
وأما مطلق القتل كما كان أهل الجاهلية يقولون: القتل أنفى للقتل وليس كذلك، لأن من علموا أنهم إذا قتلوا اثنين لا يقتل بهما إلا واحد ربما كان ذلك مجريا لهم على القتل ويدخل
[ ص: 31 ] فيه القتل ابتداء وهو أجلب للقتل لا أنفى له، وقد كانوا مطبقين على استجادة معنى كلمتهم واسترشاق لفظها، ومن المعلوم لكل ذي لب أن بينها وبين ما في القرآن كما بين الله وخلقه فإنها زائدة على عبارة القرآن في الحروف وناقصة في المعنى، فإذا أريد تصحيحها قبل القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما فكثرت الزيادة ولم تصل إلى رشاقة ما في القرآن وعذوبته - والله سبحانه وتعالى الموفق.
ولما كانت هذه العبارة كما ترى معجزة في صحة معناها ودقة
[ ص: 32 ] إشارته وغزير مفهوماته قال سبحانه وتعالى مرغبا في علو الهمم
يا أولي الألباب أي العقول التي تنفع أصحابها بخلوصها مما هو كالقشر لأنه جمع لب.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وهو باطن العقل الذي شأنه أن يلحظ أمر الله في المشهودات كما شأن ظاهر العقل أن يلحظ الحقائق من المخلوقات، فهم الناظرون إلى ربهم في آياته - انتهى.
ثم علل ذلك بقوله:
لعلكم تتقون أي الله بالانقياد لما شرع فتتحامون القتل.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وفي إبهام لعل التي هي من الخلق كما تقدم تردد إعلام بتصنيفهم صنفين بين من يثمر ذلك له تقوى
[ ص: 33 ] وبين من يحمله ذلك ويزيده في الاعتداء - انتهى.