ثم عطف عليه ما هو أنفس منه عندهم؛ وأقرب إليه في المعاني المذكورة؛ فقال (تعالى) - معلقا بـ "نسقيكم" -:
ومن ثمرات النخيل والأعناب ؛ ولما كان لهم مدخل في اتخاذ ما ذكر منه؛ بخلاف اللبن الذي لا صنع لهم به أصلا؛ أسند الأمر إليهم؛ وليكون ذلك إشارة إلى كراهة السكر؛ وتوطئة للنهي عنه في قوله - مستأنفا -:
تتخذون ؛ أي: باصطناع منكم؛ وعلاج؛ ولأجل استئناف هذه الجملة كان لا بد من قوله:
منه ؛ أي: من مائه؛ وعبر عن السكر
[ ص: 195 ] بالمصدر؛ إبلاغا في تقبيحه؛ وزاد في الإبلاغ بالتعبير بأثقل المصدرين؛ وهو المحرك؛ يقال: "سكر سكرا؛ وسكرا"؛ مثل "رشد رشدا؛ ورشدا"؛ و"نحل نحلا؛ ونحلا"؛ فقال (تعالى):
سكرا ؛ أي: ذا سكر؛ منشيا؛ مطربا؛ سادا لمجاري العقل؛ قبيحا؛ غير مستحسن للرزق؛
ورزقا حسنا ؛ لا ينشأ عنه ضرر في بدن؛ ولا عقل؛ من الخل؛ والدبس؛ وغيرهما؛ ولا يسد شيئا من المجاري؛ بل ربما فتحها؛ كالحلال الطيب؛ فإنه ينير القلب؛ ويوسع العقل؛ والأدهان كلها تفتح سدد البدن؛ وهذا كما منحكم - سبحانه - العقل الذي لا أحسن منه؛ فاستعمله قوم على صوابه في الوحدانية؛ وعكس آخرون فدنسوه بالإشراك; قال الرماني: قيل: "السكر": ما حرم من الشراب؛ و"الرزق الحسن": ما أحل منه - عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -؛
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير؛ وإبراهيم؛ nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي؛ وأبي رزين؛ nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن؛ nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد؛ nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة - رضي الله عنهم -؛ و"السكر"؛ في اللغة؛ على أربعة أوجه: الأول: ما أسكر؛ الثاني: ما أطعم من الطعام؛ الثالث: السكون؛
[ ص: 196 ] الرابع: المصدر من السكر؛ وأصله انسداد المجاري مما يلقى فيها؛ ومنه "السكر"؛ يعني بكسر؛ ثم سكون؛ ومن حمل السكر على السكر؛ قال: إنها منسوخة بآية "المائدة"؛ والتعبير عنه بما يفهم سد المجاري يفهم كراهته عندما كان حلالا; والآية من الاحتباك: ذكر السكر أولا دال على الفتح ثانيا؛ وذكر الحسن دال على القبيح أولا؛ فالآية أدل ما في القرآن على المعتزلة في أن الرزق يطلق على الحرام؛ ولتقارب آيتي الأنعام؛ والأشجار جمعهما - سبحانه - فقال (تعالى):
إن في ذلك ؛ أي: الأمر العظيم؛ من هذه المنافع؛
لآية ؛ ولوضوح أمرهما في كمال قدرة الخالق؛ ووحدانيته؛ قال (تعالى):
لقوم يعقلون