ولما ذكرهم - سبحانه - بنعمة الإدراك؛ بعد ابتداء الخلق؛ وأتبعه ما من به على الطير من الارتفاع الحامي لها من الحر؛ أتبعه ما يسكنون إليه فيظلهم؛ ويجمعهم؛ لأنه أهم الأشياء للحيوان؛ فقال (تعالى):
والله ؛ أي: الذي له الحكمة البالغة؛ والقدرة الشاملة؛
جعل لكم ؛ أي: أيها الغافلون؛
من بيوتكم ؛ أصل "البيت": المأوى ليلا؛ ثم اتسع فيه؛
سكنا ؛ هو
[ ص: 225 ] مصدر؛ بمعنى "مفعول"؛ ولم يسلط عليكم فيها الحشرات؛ والوحوش؛ كما سلطكم عليهم; ثم أتبع ما يخص الحضر ما يصلح له؛ وللسفر بما ميزهم به عن الطير؛ وغيرها من سائر الحيوانات؛ فقال (تعالى):
وجعل لكم ؛ أي: إنعاما عليكم؛
من جلود الأنعام ؛ التي سلطكم عليها.
ولما كانت الخيام؛ التي من جلود الأنعام؛ في ظلها الظليل؛ تقارب بيوت القرى؛ جمعها جمعا؛ فقال (تعالى):
بيوتا ؛ فإنهم قالوا: إن هذا الجمع بالمسكن أخص؛ والأبيات بالشعر أخص؛
تستخفونها ؛ أي: تطالبون بالاصطناع خفها؛ فتجدونها كذلك؛
يوم ظعنكم ؛ أي: وقت ارتحالكم؛ وعبر به لأنه في النهار أكثر؛
ويوم إقامتكم ؛ ثم أتبعه ما به كمال السكن؛ فقال (تعالى):
ومن أصوافها ؛ أي: الضأن منها؛
وأوبارها ؛ وهي للإبل كالصوف للغنم؛
وأشعارها ؛ وهي ما كان من المعز؛ ونحوه من المساكن؛ والملابس؛ والمفارش؛ والأخبية؛ وغيرها؛
أثاثا ؛ أي: متاعا من متاع البيت كثيرا؛ من قولهم: "شعر أثيث"؛ أي: كثير؛ و"أث النبت"؛ إذا كثر؛
ومتاعا ؛ تتمتعون به؛
[ ص: 226 ] إلى حين ؛ أي: وقت غير معين؛ بحسب كل إنسان في فقد ذلك؛ وأعرض عن ذكر الحرير؛ والكتان؛ والقطن؛ لأنها لم تكن من صناعتهم؛ وإشارة إلى الاقتصاد؛ وعدم الإسراف.