[ ص: 378 ] ولما انقضى ذلك؛ كان كأنه قيل: أما لهذه المرة من كرة كالأولى؟ فأطمعهم بقوله - سبحانه وتعالى -:
عسى ربكم ؛ أي: الذي عودكم بإحسانه؛
أن يرحمكم ؛ فيتوب عليكم؛ ويكرمكم; ثم أفزعهم بقوله (تعالى):
وإن عدتم ؛ أي: بما نعلم من دبركم إلى المعصية مرة ثالثة؛ فما فوقها؛
عدنا ؛ أي: بما تعلمون لنا من العظمة؛ إلى عذابكم في الدنيا؛ وقد عادوا غير مرة؛ بما أشار إليه الكلام؛ وإن كان في سياق الشرط؛ ليظهر الفارق بين كلام العالم وغيره؛ وأشار إلى ذلك قوله في التوراة؛ عقب ما مضى: (وإذا تمت عليك هذه الأقوال كلها؛ والدعاء؛ واللعن الذي تلوت عليك؛ فتب في قلبك وأنت متفرق بين الشعوب التي يفرقك الله فيها؛ وأقبل إلى ربك؛ واسمع قوله؛ واعمل بجميع ما آمرك به اليوم أنت وبنوك من كل قلبك؛ فيرد الرب سبيك ويرحمك؛ ويعود فيجمعك من جميع الشعوب التي فرقك فيها؛ وإن كان المبددون يا آل إسرائيل في أقطار الأرض يجمعك الله ربك من هناك؛ ويقربك من ثم؛ ويردك إلى الأرض التي ورثها أبوكم؛ وترثون؛ وينعم عليكم؛ وتكثرون أفضل من آبائكم؛ ويختن الله الرب قلوبكم وقلوب نسلكم إلى الأبد؛
[ ص: 379 ] وتتقون الله ربكم من كل قلوبكم؛ وأنفسكم؛ لما يريحكم؛ وينعمكم؛ وينزل الله كل هذا اللعن بأعدائكم؛ وشنأتكم الذين آذوكم؛
وجعلنا ؛ أي: بعد ذلك بعظمتنا؛
جهنم ؛ التي تلقى داخلها بالتجهم والكراهة؛
للكافرين ؛ وهذا الوصف الظاهر موضع ضمير لبيان تعليق الحكم به؛ على سبيل الرسوخ؛ سواء في ذلك هم وغيرهم؛ وفيه إشارة إلى أنهم يعودون إلى الإفساد؛ وإلى أن منهم من يؤمن؛ ومنهم من يكفر؛
حصيرا ؛ أي: محبسا يحصرهم غاية الحصر؛ وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أن "الحصير"؛ هو الذي يفرش ويبسط؛ فالمعنى أنه يجعلها مهادهم.