ولما تقرر أنه - سبحانه - خبير بذنوبهم؛ بعد تزهيده في الدنيا بما ذكر من مصارع الأولين؛ أتبعه الإخبار بأنه يعاملهم على حسب علمه؛ على وجه معرف بعلمه بجميع طوياتهم؛ من خير؛ وشر؛ مرغب في الآخرة؛ مرهب من الدنيا؛ لأنها المانعة من اتباع الرسل؛ والتقيد بطاعتهم؛ خوفا من نقص الحظ من الدنيا بزوال ما هو فيه من الرئاسة والمال والانهماك في اللذة؛ جهلا بأن ما قدر لا يكون غيره؛ سواء كان صاحبه في طاعة؛ أو معصية؛ فقال (تعالى):
من كان يريد ؛ أي: إرادة هو فيها في غاية الإمعان؛ بما اقتضاه طبعه المشار إليه بفعل الكون؛ ولما كان مدار مقصود السورة على الإحسان الذي هو العبادة على المشاهدة؛ وكان ذلك منافيا لحال من يلتفت إلى الدنيا؛ عبر بقوله (تعالى):
العاجلة ؛ أي: فقط؛
عجلنا ؛ أي: بعظمتنا؛
له فيها ؛ أي: العاجلة؛
ما نشاء ؛ مما يريده؛ لا جميع ما يريده; ثم أبدل من "له"؛ قوله (تعالى):
لمن نريد ؛ أي: لا لكل من أراد ذلك؛ تنبيها على أن ذلك بقوتنا؛ لا بقوة ذلك المريد؛
ثم جعلنا [ ص: 396 ] أي: بما لنا من العظمة؛
له ؛ أي: لظاهره؛ وباطنه؛
جهنم ؛ أي: الدركة النارية التي تلقى بالتجهم من كان يلقى الدنيا وأهلها بالتبسم؛
يصلاها ؛ في الآخرة؛
مذموما ؛ أي: مفعولا به الذم؛ وهو ضد المدح؛
مدحورا ؛ مدفوعا؛ مطرودا؛ مبعدا؛ فينبغي لمريد الدنيا ألا يزال على حذر؛ لأنه لا ينفك من عذاب الآخرة؛ فإن لم يعط شيئا من مناه - كما أشار إليه "لمن نريد" -؛ اجتمع له العذابان كاملين؛ فقر الدنيا؛ وعذاب الآخرة؛ وإن أعطي فهو لا يعطى كل ما يريد - بما أشار إليه "ما نشاء" - فيجتمع له عذاب ما منعه منها؛ مع عذاب الآخرة.